للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من نُظَرائك غيرك، لأنك من عمال المسلمين، فألحقتك بأرفع ذلك، وقد علمتُ أَنّ مُؤَنًا تَلْزَمُك، فَوَفِّر الخراجَ وخذه من حَقِّهِ ثم عِفَّ عنه بعد جمعه، فإذا حصل إليك وجمعتَه أخرجتَ عطاءَ المسلمين وذريتهم وما تحتاج إليه ممّا لا بد منه، ثم انظر فيما فضل بعد ذلك فَاحْمِلْهُ إِلَيَّ، واعلم أنّ ما قبلك من أرض مصر ليس فيه خُمسٌ، وإنما هي أرض صلح وما فيها للمسلمين فيءٌ، تبدأ بمن أغنى عنهم في ثغورهم وأجزأ عنهم في أعمالهم، ثم تَفُضّ ما فَضَل بعد ذلك عَلَى مَنْ سَمَّى الله.

واعلم يا عَمْرو أن الله يراك ويرى عملك ويعلم من سريرتك ما يعلم من علانيتك، فليكن مُقْتَدًى بك في سِيرَتِك وعملك، فإنه قال تبارك وتعالى في كتابه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [سورة الفرقان: ٧٤] يريد أن يُقْتدى وأن معك أهل ذمة وعهدٍ قد أوصى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، بهم، وأوصى بالقبط فقال: اسْتَوْصُوا بالقبط خَيْرًا فإنّ لهم ذِمَّةً وَرَحِمًا، ورحمهم: أنّ أُمَّ إسماعيل منهم. وقد قال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: مَن ظَلَم معاهدًا وكلّفه فوق طاقتهِ فَأَنَا خصْمُهُ يوم القيامة، احْذَرْ يَا عَمْرو أن يكون رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، لك خصمًا، فإنه من خاصمه خصمه، والله يا عمرو، لقد ابتليتُ بولايةِ هذه الأمة، وأنستُ من نفسي ضعفًا وانتشرت رعيَّتي، ورقَّ عظمي، فأسألُ الله أَنْ يقبضني إليه غير مُفرطٍ، والله إني لأخشى لو مات حَمَلٌ بأقصى عملك ضياعًا، أن أُسْأَلَ عنه يوم القيامة.

قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا الوليد بن كثير، عن يَزِيد بن أَبِي حَبِيب، عن أبي الخَير، قال: لما فتح المسلمون مصر، بعث عَمْرُو بن العاص إلى القُرى التي حولها، الخيلَ تَطَؤُهم، فبعث عُقبةَ بن نافع بن عَبْد القَيْس (١)، وكان أخَا العاص بن وائل لأمّه، فدخلتْ خُيُولهم أرض النُّوبَة غزاةً، غَزْوًا كصوائف الروم، فلقي المسلمون من النُّوبة قتالًا شديدًا، لقد لاقوهم أول يومٍ، فَرَشَقُوهم بالنّبل، حتى جُرِحَ عامتهم جراحاتٍ كثيرةٍ، وحَدَق مَفقُوءةٌ، فسمَّوهم رُماةَ الحَدق، فلم يزالوا على ذلك حتى وَلَّى عثمانُ بن عفان عَبْدَ الله بن سعد بن أبي


(١) في ث "قيس" والمثبت عن ابن الأثير في أسد الغابة وتاريخ ابن عساكر كما في المختصر والخبر لديه بسنده ونصه.