للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عُمَرُ: إياك أَنْ يَقدم عليك أحدٌ من أهل بيتي فَتحبُوهُ (١) بأمرٍ لا تصنعهُ بغيره، فَأَفعلُ بِكَ ما أنت أهله، فأنا لا أستطيع أن أهْدِي لهما، ولا آتيهما في منزلهما للخوف من أبيهما، فوالله إني لَعَلَى ما أنا عليه إلى أن قال قائِلٌ: هذا عبد الرحمن بن عمر، وأَبُو سِرْوَعَةَ على الباب يستأذنان، فقلت: يدخلان، فدخلا وهم مُنْكَسِرَان، فقالا: أقم علينا حَدَّ الله، فإنّا قد أصَبنا البارحة شرابًا، فسكِرنا. قال: فَزَبَرْتُهما (٢) وطَرَدْتُهما، فقال عبد الرحمن: إن لَمْ تفعلْ أخبرتُ أَبِي إِذا قَدِمت عليه، قال: فحضرني رأي (٣) وعلمت أني إن لم أقم عليهما الحدَّ غضبَ عليَّ عمر في ذلك وعزلني، وخالفه ما صنعت. فنحن على ما نحن عليه إذ دخل عبد الله بنِ عمر، فقمتُ إليه، فرحبتُ به، وأردتُ أن أجلسه على صدر مجلسي، فَأبَى عَلَيَّ وقال: إن أبي نهاني أن أدخل عليك إِلَّا أَلَّا أجِد بدّا، فإني لم أجد بدًّا من الدخول عليك، إن أخي لا يُحلَقُ على رءوس الناس أبدًا، فأمّا الضرب فاصنع مَا بَدَا لَك. قال: وكانوا يحلقُونَ مع الحدِّ - قال: قال: فأخرجتهما إلى صحن الدار، فضربتهما الحد، ودخل ابن عمر بأخيه عبد الرحمن إلى بيتٍ مِن (٤) الدار، فحلق رأسه ورأس أبي سِرْوَعَةَ. فوالله ما كتبت إلى عمر بحرفٍ مما كان، حتى إذا تَحينتُ كتابهُ إذا هو يَطِمُّ (٥) فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله عُمَرَ أميرِ المؤمنين إلى العاصي بن العاصي، فَعجبتُ لك يابن العاصي ولجرءتك عَلَيَّ! وخلاف عهدِي، أما إِنّي قد خالفت فيك أصحاب بَدْرٍ ممن هو خيرٌ منك واخترتك لجرأتك عنِّي، وإنفاذ عهدي، فأراك تَلَوَّثْت بما قد تلوثت، فما أُراني إلا عَازِلُكَ فَمُسِيءٌ عَزْلَك، تَضْرِبُ عبدَ الرحمن بن عمر في بيتك وتَحلق رأسَه في بيتك، وقد عرفتَ أن هذا يخالفني؟! إِنَّما عبدُ الرحمن رجل مِن رَعِيَّتك تصنع ما تصنع بغيره من المسلمين، ولكن قلتَ: هو ولدُ أميرِ المؤمنين، وقد عرفتَ أن لا هوادةَ لأحدٍ من


(١) حبا الرجل حبوا: أعطاه. أراد أن يخصه بشيء من الإكرام لا يصنعه بغيره.
(٢) زبره عن الأمر: نهاه وزجره.
(٣) في ث "رأيي" والمثبت لدى ابن عساكر وهو ينقل عن ابن سعد.
(٤) ابن عساكر "في".
(٥) ابن عساكر "نظم".