للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مكيدةَ الحربِ. فعزل عثمانُ عَمْروَ بن العاص عن الجندِ والصلاةَ، ووَلّى ذلك عَبْدَ الله بن سعد مع الخراج، فانصرف عَمْرٌو مغضبًا، فقدمَ المدينةَ فجعل يطعن على عثمان ويعِيبُهُ.

ودخل عليه يومًا وعليهِ جُبَّةٌ لهُ يمانيةٌ محشوةٌ بقُطنٍ، فقال له عثمان: مَا حَشْوُ جُبَّتِك هذه يا عَمْرو؟ قال: حَشْوُها عَمْرو. قال: لم أُرِدْ هذا يابنَ النابغة، ما أسرع ما قَمِلَ جِرِبَّانُ (١) جُبتكَ! وإنما عهدك بالعمل عَامَ أول، أَتَطْعَنُ عَلَيّ وتأتيني بوجهٍ وتذهب عَنِّي بآخر؟! فقال عَمرو: إن كثيرًا مما ينقل الناسُ إلى ولاتهم باطلٌ. فقال عثمان: استعملتك على ظَلعِكَ! فقال عَمرو: قد كنت عاملًا لعمر بن الخطاب ففارقني وهو عنّي راضٍ. فخرج عَمْرو من عند عثمان وهو متحقّنٌ عليه، فجعل يُؤلِّبُ عليه الناس ويُحَرِّضُهم، فلما حُصِرَ عثمانُ الحصرَ الأول خرج عَمْرو من المدينة حتى انتهى إلى أرضٍ له بفلسطين يقال لها السَّبْع (٢)، فنزل في قصرٍ يقال له العَجلان، فلما أتاهُ قتلُ عثمانَ قال: أنا أبو عبد الله إذا أحُكُّ قرحةً نَكَأْتُها. يعني: إِني قتلتُه بتحريض عليه وأنَا بالسَّبْع. وقال أَتَرَبَّصُ أيامًا وأنظر ما يصنع الناس، فبلغَهُ أنّ عليًا قد بُويع له، فاشتدَّ ذلك عليه، ثم بلغهُ أن عائشةَ وطلحةَ قد ساروا إلى الجملِ، فقال: أَسْتَأْنِي وأنظر ما يصنعون، فلم يشهد الجملَ ولا شيئًا من أمره.

ثم أتاه الخبر بأن طَلْحة والزُّبَيْر قد قُتلا، فأُرتجَ عليه أمرُه، فقال له قائل: إن معاوية لا يُريدُ أن يبايع لعليٍ، فَلَو قاربت معاويةَ! فقال: ارحَل يا وردان، فدعا ابنيه عبد الله ومحمدًا وقال: ما تريان؟ فقال عبد الله تُوُفِّي رسولُ الله، - صلى الله عليه وسلم -، وهو عنك رَاضٍ، وتُوفي أبو بكر وهو عنك راضٍ، وتُوفي عمر وهو عنك راضٍ. أَرَى أَنْ تَكُفَّ يَدَك وتجلس في بيتك حتى يجتمع الناسُ على إمام فتُبايعه، فقال: حُطّ يا وردان. وقال ابنه محمد بن عَمْرو: أنتَ نابٌ من أنيابِ العربِ، فلا أرى


(١) الجربّان: جَيب القميص.
(٢) السَّبْع: ناحية في فلسطين بين بيت المقدس والكرك فيه سبع آبار، سمي الموضع بذلك، وكان ملكًا لعَمْرو بن العاص، أقام به لما اعتزل الناس.