للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بينهم. فقال سعيد بن عامر لِعُمَر: يا أمير المؤمنين، اخْشَ اللهَ في الناس، ولا تَخْشَ الناسَ في الله، وأحب للمسلمين كما تحب لنفسك وأهل بيتك، واكْرَهْ لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك، والزم الأمرَ ذا الحُجَّة يُعِنْكَ الله على أمرك، ويكفك ما همك، وأقم وجهَك وقضاءك لمن استرعاك الله أَمْرَهُ لِقَرِيبِ المسلمين وَبَعِيدِهم، وَلَا تَقْضِ في الأمر قَضَاءَين، فيختلف عليك رأيك وتنزع عن الحق، وَخُضِ الغَمَراتِ إلى الحقّ حيث عَلِمْتَه وَلَا تَخَفْ في الله لومة لائم، فإنَّ خيرَ القول مَا تَبِعَه الفِعْلُ. فقال عُمَر ومَنْ يُطِيق هذا يَا سَعِيدَ بنَ عامر؟ قال: مَنْ وضع الله في عُنُقه ما وضع في عنقِك من أَمْر المسلمين، إنما عليك أن تَقُولَ فَيُتَّبَعُ قَوْلُك.

قال: أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غَسّان النَّهْدِيّ قال: حدّثنا مسعود بن سعد الجُعْفِيّ، قال: حدّثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن سَابط، قال: أرسل عمر بن الخطاب إلى سعيد بن عامر الجُمَحِيّ فقال: إنّا مُسْتَعْمِلُوكَ على هؤلاء، تسيرُ بهم إلى أرض العدو، فتجاهدُ بهم، فقال: يا عمر لا تَفْتِنِّي. فقال عُمَرُ: والله لا أدعكم، جعلتموها في عنقي ثم تخليتم مِنِّي! إنما أبعثك على قوم لست بأفضلهم، ولست أبعثك لتضرب أبشارهم (١)، ولا تنتهك أعراضهم، ولكن تجاهد بهم عدوَّهم، وتقسم بينهم فيئهم. فقال: اتق الله يا عُمَرُ. أحبَّ لأهل الإسلام ما تحب لنفسك، وأقم وجهك وَقَضاءَك لمن استرعاك الله من قريب المسلمين وبعيدهم، ولا تقض في أمر واحدٍ قَضَاءَين، فيختلف عليك أمرك، وتنزع عن الحق، والزم الأمر ذا الحُجّة يُعِنْكَ الله على ما ولاك، وخض الغمرات إلى الحق حيث علمتهُ، وَلَا تَخْشَ في الله لومة لائم.

قال: فقال عُمَرُ: وَيْحَكَ يا سعيد، من يطيق هذا؟ قال: من وضع الله في عنقه مثل الذي وضع في عنقك، إنما عليك أن تأمر فَيُطاع أمرك أو يُتْرك فتكون لك الحجة. قال: فقال عمر: إنا سنجعل لك رزقًا. قال: لقد أعطيت ما يكفيني دونه - يعني عطاءه - وما أنا بمزداد من مال المسلمين شيئًا. قال: فكان إذا خرج


(١) ابن عساكر "أيسارهم".