للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عيّاشٍ، قال لما بَنَى الحجاجُ واسطًا ووضعت الحربُ أوزارَها كتب إلى أنس بن مالك، فشخص وشخصنا معه فانتهينا إليه والناس معه حَيثُ يسمعون الصوتَ، فنادَى الحاجبُ أنس بن مالك فأمِرَ بنا فأُنزلنا ثم عُدنا إليه من الغد وهو على مثل الحال، فنادى الحاجبُ: أنسُ بنُ مالك. قال: فَدَنا حتى صار معه على فراشه، قال أبانُ: وقمتُ حيث أسمَعُ الكلامَ، قال: فدعا بالخيل على أنسابِها: القُرّحُ والثّنِيّ والرّبَع والجذع عليها الغلمانُ عليهم ثياب الحريرِ مختلفة ألوانُها، ثم قال: أيها الشيخُ ارفع رأسَك انظر ماذا أُعطِينا بعد نَبِيِّنا، هل رأيتَ مع محمدٍ نحو هذه الخيل؟ قال أنسٌ: وما هذه الخيل!، رأيتُ مع محمد، - صلى الله عليه وسلم -، خيلًا غُدُوُّها ورواحُها في سبيل الله، إنما الخيل ثلاثةٌ: فما كان منها في سبيل الله ففيها من الأجرِ كذا وكذا حتى أروَاثها في موازين أهلِها. وما كان منها لِلْفِحْلَة فهي في سبيل الله، وشَرُّها وأخبثُها ما كانَ للفَخْر ولكذا ولكذا. قال: فقال الحجّاجُ، لقد عِبْتَ فما تركتَ شيئًا، ولولا خِدمَتُك لرسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وكتابُ أمير المؤمنين فيك كان لي ولك شأنٌ. قال: قال أنس: أيهاتَ أيهاتَ (١): إني لما غَلظَت أرنَبَتي (٢) وأنكر رسولُ الله، - صلى الله عليه وسلم -، صوتي، علّمني كلمات لن يَضُرني معهن عُتُوُّ جَبَّارٍ ولا عُنُوتُه مع تيسير الحوائج ولقاء المؤمنين بالمحبة. قال: فلما سَمِعَ ذلك الحجاجُ قال: يا عَمَّاهُ، لو عَلَّمْتَنِيهُنَّ؟ قال: لستَ لذلك بأهل، قال: فلما رأى أنه لَا يظفرَ بالكلماتِ دَسَّ إليه ابنيه محمدًا وأبانَ ومعهما مائتي ألف درهم، وقال لهما: الطُفا بالشيخ عسى أن تظفرا بالكلمات، وإن أنفذْتُما فاسْتَهِمَا. قال: قال أَبانُ: فماتَ وماتا قبل أن يظفروا بالكلمات.

قال: فلما كان قبل أن يهلك بثلاث قال: يا أُحَيمِرَ عبدِ القيس، خَدمتنا فأحسنتَ خِدْمَتنا، رأيناك أو رأيتُك حريصًا على طلب العلم دونك هذه الكلمات ولا تَضَع السِّلعَةَ إلّا في موضعها. قال فذكر أبان ما أعطاه الله مما أعطاه أنسًا قال مع ذهاب ما أذهبَهُ الله عني مما كنت أَجد.


(١) بمعنى هَيْهات.
(٢) الأرنبة: طرف الأنف (النهاية).