للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فلمّا بلغه خروج الزبير وطَلْحة إلى الجَمَل أمسك عن ذكره، فلمّا بلغه قتل الزبير قال: يرحم الله أبا عبد الله، أما أنه لو قدم علينا لبايعنا له وكان أهلًا أن نقدمه لها.

فلمّا انصرف عَلِيٌّ من البصرة أرسل جرير بن عبد الله البَجَلى إلى معاوية، فكلّمه، وعظم عليه أمر عليّ وسابقته في الإسلام ومكانه مِن رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، واجتماع النَّاس عليه. وأراده على الدخول في طاعته والبيعة له، فأبى، وجرى بينه وبين جرير كلام كثير، فانصرف جرير إلى علي بن أبي طالب فأخبره بذلك، فذلك حين أجمع عَلِيٌّ عَلَى (١) الخروج إلى صِفِّين (٢).

وبعثَ معاوية أبا مُسلم الخولانى إلى على بأشياء يطلبها منه، ويسأله أن يدفع إليه قَتَلة عثمان حتَّى يقتلهم به، فإنه إن لم يفعل ذلك أنهج للقوم -يعني أهل الشأم- بصائرهم لقتاله فَأَبَى عَلِيٌّ أن يفعل، فرجع أبو مسلم إلى معاوية فأخبره بما رأى مِن عليّ وأصحابه، وجرت بين على ومعاوية كتب ورسائل كثيرة (٣).

ثمّ أجمعَ عليّ على الخروج مِن الكوفة يريد معاوية بالشام، وبلغ ذلك معاوية فخرج في أهل [الشأم] (٤) يريد عليًّا، فالتقوا بصفين لسبع ليال بقين من المحرم سنة سبع وثلاثين، فلمّا كان هلال صفر نشبت الحرب بينهم فاقتتلوا أيام صفين قتالًا شديدًا حتَّى هرّ النَّاس القتال (٥) وكرهوا الحرب، فرفع أهل الشام المصاحف، وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه وكان ذلك مكيدة من عَمرو بن العاص، فاصطلحوا وكتبوا بينهم كتابًا على أن يوافوا رأس الحول أَذْرُح (٦)، ويحكّموا حَكَمَين ينظران في أمر [النَّاس]، فيرضون بحُكمها، فَحَكَّم عَلِيٌّ أبا موسى الأشعرى، وحَكَّم معاويةُ عَمْرَو بن العاص (٧).

وتفرق النَّاس، فرجع على إلى الكوفة بالاختلاف والدَّغَلَ (٨)، واختلف عليه


(١) قرأها محقق ط "حين أجمع على الخروج" وصواب القراءة من النص، ومثله لدى ابن عساكر في تاريخه كما في مختصر ابن منظور ج ٢٥ ص ٢١.
(٢) مختصر ابن منظور ج ٢٥ ص ٢١.
(٣) الذهبي: سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ١٣٦.
(٤) من الطبرى.
(٥) أي كرهوه.
(٦) بلد في أطراف الشام (ياقوت).
(٧) مختصر تاريخ دمشق ج ٢٥ ص ٢٢ وما بين حاصرتين منه.
(٨) الدغل: عيب في الأمر يفسده.