للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

معه ذات يوم في بيته وكان يُجلني ويكرمني، فشهق شهقةً ظننتُ أنّ نفسَه سوف تخرجُ منها. فقلت: أَمِنْ جزعٍ يا أمير المؤمنين؟ فقال: من جزعٍ. فقلت: وماذا؟ فقال: اقترب، فاقتربتُ منه، فقال: لا أجدُ لهذا الأمر أحدًا، قلت: فأين أنت عن فلان، وفلان، وفلان، وفلان، وفلان، وفلان فسمى له الستة أهل الشورى، فأجابه في كل واحد منهم بِقَوْلٍ، ثم قال: إنه لا يصلح لهذا الأمر إلا قويٌّ في غير عُنْفٍ، لَيِّنٌ في غير ضعفٍ، جوادٌ في غير سَرَف، ممسك في غير بُخْل.

قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني محمد بن عبد الله، عن الزُّهْرِيّ، عن عُبَيد الله بن عبد الله بن عُتْبَة، عن ابن عباس، قال: جئت عمر حين طُعِنَ في غَبَشِ (١) السَّحَر فاحتملته أنا ورهط معي وكنا في المسجد، حتى إذا أدخلناه بيته وأمر عمر عبد الرحمن بن عوف يصلي بالناس وغشي على عمر من النزف فلم يزل في غشيته حتى أسفر، ثم أفاق فقال: أَصَلَّى الناسُ؟ فقلنا: نعم.

فقال: لا إسلام لمن ترك الصلاةَ، ثم دعا بوضوء فتوضأ، ثم صلى، قال حين سلم: يا عبد الله بن عباس، اخرج فسل مَنْ قتلني؟ قال: ففتحت الباب فإذا الناس مجتمعون جاهلون بخبر عمر، فقلت: مَنْ طَعَنَ أمير المؤمنين؟ قالوا: طعنه عدو الله أبو لؤلؤة، فرجعت إلى عمر أخبره، قال: فإذَا عُمر يُبِدُّنِي (٢) النظرَ، يسألني خبر ما بعثني إليه، فقلت: أرسلتني يا أمير المؤمنين أسأل: مَنْ قَتَلَك؟ فكلمتُ الناسَ، فزعموا أنّه طعنك أبو لؤلؤة، غلام المغيرة بن شعبة، وطعن معك رَهْطًا، وقَتلَ نفسه، فقال عمر: الله أكبر، الحمدُ لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجّني عند الله بسجدة سَجَدها له، ولقد عرفتُ ما كانت العرب لتقتلني، أنا أحب إليها من ذلك.

قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا سفيان، ومنصور، عن أبي سلمة، عن سماك الحنفي، عن ابن عباس، قال: لما طعن عمر قال: لو أن لي


(١) الغَبَش: بقية الليل وظُلمة آخره.
(٢) ث "يُبَدِّي" والمثبت رواية (ح) ويؤكدها ما ورد لدى ابن الأثير في النهاية (بد) ومنه حديث ابن عباس "دخلت على عمر وهو يُبِدُّني النظر استعجالًا لما بعثني إليه".
وأبدّ بصَره نحو الشيء: مدّه وأدام النظر إليه.