للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أمير المؤمنين، فإنما تجعل عليك جامِعَة فضةٍ أو ذهبٍ وتلبس عليها بُرْنُسًا فلا تبدو إلا أن يُسْمع صَوْتها. فكتب ابن الزبير إلى مروان يجزيه خيرًا ويقول: قد عرفت عنايتك ورأيك، فأما هذا فإني لا أفعله أبدًا، فليكفِّر يزيد عن يمينه أو يدع.

وقال ابن الزبير: اللهم إني عائذ ببيتك الحرام، وقد عرضت عليهم السمع والطاعة فأبوا إلا أن يُخلّوا (١) بي ويستحلوا مني ما حرّمتَ.

فمِنْ يومئذ سمي العائذ، وأقام بمكة لا يعرض لأحد، ولا يعرض له أحد، فكتب يزيد بن معاوية إلى عمرو بن سعيد أن يوجّه إليه جندًا، فسأل عمرو بن سعيد: مَنْ أعدى الناس لعبد الله بن الزبير؟ فقيل أخوه عمرو بن الزبير، فولاه شُرَطَهُ بالمدينة فضرب ناسًا كثيرًا من قريش والأنصار بالسياط، وقال: هؤلاء شيعة عبد الله بن الزبير، وَفَرّ منه قوم كثير في نواحي المدينة.

ثم وجه إلى عبد الله بن الزبير في جيش من أهل الشام ألف رجل، وأَمَرَهُ بقتاله.

فمضى عمرو بن الزبير حتى قدم مكة فنزل بذي طُوَى، وأتى الناسُ عَمْرَو بن الزبير يُسَلّمون عليه، وقال: جئت لأن يعْطِي عبد الله الطاعة ليزيد ويبِرّ قسمه، فإن أبى قاتلته. فقال له جبير (٢) بن شيبة: كان غيرك أولى بهذا منك، تسير إلى حرم الله وأمْنه، وإلى أخيك في سِنّه وفَضْله، تجعله في جامِعَةٍ؟! ما أرى الناس يَدَعُونك وما تريد. قال: أرى أن أقاتل من حال دون ما خرجتُ له.

ثم أقبل عمرو، فنزل داره عند الصفا، وجعل يرسل إلى أخيه، ويرسل إليه أخوه، فما قدم له، وكان عمرو يخرج فيصلي بالناس - وعسكره بذي طوى - وابن الزبير معه يُشَبِّك أصابعه في أصابعه، ويكلمه في الطاعة، ويلين له الكلام، فقال عبد الله بن الزبير: ما بَعْدَ هذا شيء، إني لسامع مطيع، أنت عامل يزيد وأنا أصلي خلفك، ما عندي خلاف، فأما أن تجعل في عنقي جامِعَة، ثم أقاد إلى


(١) في الأصل "يحلوا" والمثبت لدى ابن عساكر في تاريخه ص ٤٥٠ وهو ينقل عن ابن سعد. ومثله في مختصر ابن منظور ج ١٢ ص ١٩٣ وأخل به: لم يف.
(٢) جبير: تحرف في مختصر ابن منظور إلى "حنين" فليحرر.