عنك ويغيّب وجهه فعبد الملك أمامه لا يتركه يُحلّ بالشأم حتّى يبايعه، وابن الحنفيّة لا يبايعه أبدًا حتّى يجتمع النَّاس عليه، فإن صار إليه كفاكه إمّا حَبَسَهُ وإمّا قَتَله فتكون أنت قد برئت من ذلك. فأفثأ ابن الزبير عنه (١)؟
فقال أبو الطّفيل: وجاء كتاب من عبد الملك بن مروان ورسول حتّى دخل الشِّعْبَ فقرأ محمّد بن الحنفيّة الكتاب. فقرأ كتابًا لو كتب به عبد الملك إلى بعض إخوته أو ولده ما زاد على ألطافه، وكان فيه: إنّه قد بلغنى أنّ ابن الزبير قد ضيّق عليك وقطع رحمك واستخفّ بحقّك حتّى تبايعه فقد نظرت لنفسك ودينك وأنت أعرف به حيث فعلتَ ما فعلت، وهذا الشأم فأنْزل منه حيث شئتَ فنحن مكرموك وواصلو رحمك وعارفو حقّك. فقال ابن الحنفيّة لأصحابه: هذا وجه نخرج إليه. قال فخرج وخرجنا معه ومعه كُثَيّر عَزّة ينشد شعرًا:
أنْتَ ابنُ خَيرِ النّاسِ من بَعد النَّبِيِّ … يا بنَ عليّ سِرْ وَمَنْ مثلُ عَلِىْ
حتّى تَحُلّ أرْضَ كَلْبٍ وبلىْ
قال أبو الطُّفيل: فسرنا حتّى نزلنا أيْلة فجاورونا بأحسن جوار وجاورناهم بأحسن ذلك وأحبّوا أبا القاسم حبًّا شديدًا وعظّموه وأصحابه، وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر ولا يُظْلَم أحد من النَّاس قرْبنا ولا بحضرتنا. فبلغ ذلك عبد الملك فشقّ ذلك عليه وذكره لقبيصة بن ذُؤيب ورَوْح بن زِنْباع وكانا خاصّته فقالا: ما نرى أن ندعه يقيم في قُرْبه منك وسيرته سيرته حتّى يبايع لك أو تصرفه إلى الحجاز. فكتب إليه عبد الملك: إنّك قدمت بلادى فنزلت في طرفٍ منها، وهذه الحرب بينى وبين ابن الزبير كما تعلم، وأنت لك ذكر ومكان، وقد رأيتُ أن لا تقيم في سلطانى إِلَّا أن تبايع لى، فإن بايعتنى فخذ السفن التى قدمت علينا من القُلْزُم وهى مائة مركب فهى لك وما فيها، ولك ألفًا ألف درهم أعجّل لك منها خمسمائة ألف وألف ألف وخمسمائة ألف آتِيَتُك مع ما أردتَ من فريضة لك ولولدك ولقرابتك ومواليك ومن معك، وإن أبيتَ فتحوّلْ عن بلدى إلى موضعٍ
(١) سير أعلام النبلاء ج ٤ ص ١٢٤، ومختصر ابن منظور ج ٢٣ ص ١٠٦.