ذلك المقام، قال: ولمَ ظننتَ ذاك؟ تعود إليه، فالحق بى، أو قال ائتنى في المنزل. قال: فمشيتُ خَلف دابته والناس يكلِّمونه حتى دخَل منزله، فقلّما لبث حتى خرج إلىَّ خادم برقعةٍ فيها: هذه مائة دينار قد أمرتُ لك بها وبَغلة تركبها، وغلام يكون معك يخدمك وعشرة أثواب كسوة.
قال: فقلت للرسول ممن أطلب هذا؟ فقال: ألا ترى في الرقعة اسم الذي أمرك أن تأتيه؟ قال: فنظرت في طرف الرقعة فإذا فيها تأتى فلانًا فتأخذ ذلك منه قال: فسألت عنه، فقيل: ها هو ذا، هو قَهْرَمَانِهِ (١)، فأتيته بالرقعة فقال: نعم فأمر لي بذلك من ساعته فانصرفت وقد رَيَّشنى وجبرنى.
قال: فغدوت إليه من الغد وأنا على بغلته، وسرجها فسرت إلى جانبه فقال: احضر بابَ أمير المؤمنين حتى أوصلك إليه قال: فحضرتُ للوقت الذي وعدنى له فأوصلنى إليه وقال: إياك أن تكلمه بشيء حتى يبتدئك وأنا أكفيك أَمْرَه. قال: فسلمت عليه بالخلافة فأومأ إلىَّ أن اجْلِسْ، فلما جلستُ ابتدأ عبد الملك الكلام، فجعل يسائلنى عن أنساب قريش وهو كان أعلم بها منى، قال: وجعلت أتمنى أن يقطع ذلك لتقدمه علىَّ في العلم بالنسب، قال: ثم قال لي: فرضت لك فرائض أهل بيتك، ثم التفت إلى قبيصة فأمره أن يثبت ذلك في الديوان، ثم قال: أين تحب أن يكون ديوانك مع أمير المؤمنين ها هنا؟ أم تأخذه ببلدك؟ قال قلت: يا أمير المؤمنين إنا معك، فإذا أخذتَ الديوان أنت وأهلُ بيتك أخذته قال: فأمر بإثباتى وبنسخة كتابى أن يوقع بالمدينة، فإذا خرج الديوان لأهل المدينة قَبَضَ عبدُ الملك بن مروان وأهلُ بيته ديوانَهم بالشأم. قال الزهرىّ: ففعلت أنا مثل ذلك، وربما أخذته بالمدينة لا أصد عنه.
قال: ثم خرج قَبيصة بعد ذلك، فقال إن أمير المؤمنين قد أمر أن تُثبت في صحابته، وأن يُجرى عليك رزق الصحابة، وأن ترفع فريضتك إلى أرفع منها، فالزم باب أمير المؤمنين قال: وكان على عرض الصحابة رجل فظّ غليظ يعرض عرضًا شديدًا، قال: فتخلفت يومًا أو يومين، فَجَبَهَنِى جبهًا شديدًا فلم أعد لذلك
(١) القهرمان: أمين الملك ووكيله الخاص بتدبير دخله وخَرجه.