للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يصنع، فبعث إليه بأربعة آلاف درهم من ساعته فدفعها محمد إلى غلامه وقال له: ويحك، ألم أقل لك اشتر لنا ما أمرتك فإن الله يأتى بهذا. وقد أتانا الله بما ترى، فاذهب فاشتر ما أمرتك به (١).

أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنى مُنْكدر بن محمد بن المُنْكدر، عن أبيه، قال: أمْحَلنا بالمدينة إمحالًا شديدًا، وتوالت سنون، قال محمد: فوالله إني لفى المسجد بعد شطر الليل، وليس في السماء سحاب، وأنا في مقدَّم المسجد ورجل أمامى مُتَقَنِّع برداء عليه، فأسمعه يُلحُّ في الدعاء إلى أن سمعته يقول: أقسم عليك أَىْ رَبِّ قَسَمًا ويردده، قال: فما زال يردد هذا القسم [: أقسمُ عليك] أي رب من ساعتى هذه، قال: فوالله إن نشبنا حتّى رأينا السحاب يتألَّف وما رأينا ذلك في السماء قزعة ولا شيئًا، ثم مطرت فسحت، فكانت السماء عزالى، وأودع مطرٍ رأيته قط! فأسمعه يقول: أي رب لا هدْم فيه ولا غرَق، ولا بلاء فيه ولا مَحق، قال: ثم سلم الإمام من الصبح، وتقنَّع الرجل منصرفًا، وتبعته حتّى جاء زُقاق اللبَّادين فدخل في مَسْرُبَةٍ (٢) له، فلمّا أصبحت سألت عنه، قالوا: هذا زياد النَّجار، هذا رجل ليس له فراش، إنما هو يُكابد الليل صلاة ودعاء، وهو من الدَّعائين، وكل عمل عمله أخفاه جهده. قال محمد بن المُنكدِرِ، فذكرت قول رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رُبَّ ذِى طِمْرَيْنِ خَفِيّ لو أقسَمَ على الله لأبَرَّه (٣).

قال محمد فزارنى (٤) بعد ذلك وَخَالَّنِى (٥) فكره بعض ما ذكرت له، وقال: اطوِ هذا يا أبا عبد الله، فإنما جزاؤه عند الذي عملناه له. قال محمد بن المُنكدر: فما ذكرته بعد أن نهانى باسمه، وقلت: رجل كذا، ليرغبَ رَاغِبٌ في الدعاء ويعلم أن في الناس صالحين (٦).


(١) مختصر ابن منظور ج ٢٣ ص ٢٦١.
(٢) المَسْرُبَة: مثل الصّفّة بين يدى الغرفة.
(٣) أورده ابن عساكر بنصه كما في المختصر، وما بين الحاصرتين منه.
(٤) كذا لدى ابن عساكر وفى الأصل "فرأيتنى".
(٥) كذا في ث ومثله لدى ابن عساكر ومعناه الصداقة المختصة لا خلل فيها. وقرأها زياد "أخالقه" وعلق عليها بقوله "في الأصل وخالق" وصححتها لاقتضاء المعنى، وتبعه عطا فيما ذهب إليه. وجميع ما ذكراه خطأ.
(٦) ابن عساكر كما في المختصر ج ٢٣ ص ٢٦٥.