للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

- صلى الله عليه وسلم -، وغيرهم (١)، وإنَّ ردَّهم عما قد اعتقدوه شديد، فَدَعِ الناسَ وما هم عليه، وما اختار كل أهل بلد منهم لأنفسهم فقال: لعمري لو طاوعتني على ذلك لأمرتُ به (٢).

قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: لما دُعي مالك بن أنس، وشُووِرَ، وسُمِعَ منه وقُبِلَ قولُه، شَنِفَ الناس له وحسدوه، وبَغَوْه بكل شيء. فلما وَلِي جعفرُ بن سليمان على المدينة سَعَوْا به إليه، وكَثَّرُوا عليه عنده، وقالوا لَا يَرَى أَيْمَانَ بيعتكم هذه بشيء، وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت الأحنف، في طلاق المُكْرَه: أنه لا يجوز، فغضب جعفر بن سليمان، فدعا بمالك، فاحتج عليه بما رُقِي إليه عنه، ثم جرّده ومَدَّه وضَرَبه بالسياط، ومُدَّت يده حتى انْخَلَع كتفاه وارتُكب منه أمر عظيم، فوالله ما زال بعد ذلك الضرب في رفعة عند الناس وعلو من أمره وإعظام الناس له، وكأنما كانت تلك السياط التي ضُرِبَها حُلِيًّا حُلّى بها (٣).

قال: وكان مالك يأتي المسجد ويشهد الصلوات والجمعةَ والجنائزَ، ويعود المرضى، ويقضي الحقوق، ويجلس في المسجد، ويجتمع إليه أصحابه، ثم ترك الجلوس في المسجد، وكان يصلّي ثم ينصرف إلى منزله، وترك شهود الجنائز، فكان يأتي أصحابها فَيُعَزِّيهم ثم ترك ذلك كله فلم يكن يشهد الصلوات في المسجد ولا الجمعة، ولا يأتي أحدًا يعزيه ولا يقضي له حقًا، واحتمل الناس ذلك كله له، وكانوا أرغب ما كانوا فيه وأشده له تعظيمًا حتى مات على ذلك، وكان ربما كُلِّم في ذلك فيقول: ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره (٤).


(١) كذا لدى القاضي عياض في ترتيب المدارك ج ٢ ص ٧٢، ومثله لدى الذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٨ ص ٧٠ وهو ينقل عن ابن سعد. وفي ث "من اختلاف الناس وغيرهم".
(٢) أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٨ ص ٧٠ نقلًا عن ابن سعد.
(٣) أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٨ ص ٧٢ نقلًا عن ابن سعد.
(٤) الخبر لدى ابن خلكان في الوفيات ج ٤ ص ١٣٦، وعلق عليه كما وجد بخطه بقوله: وإنما كان تخلفه عن المسجد، لأنه سَلِس بولُه، فقال عند ذلك: لا يجوز أن أجلس في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأنا على غير طهارة، فيكون ذلك استخفافًا. والخبر أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٨ ص ٥٨ نقلًا عن ابن سعد.