للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: وكان مالك يجلس في منزله على ضجاع له ونمارق مطرحة يمنةً ويسرةً في سائر البيت، لمن يأتيه من قريش والأنصار والناس، وكان مجلسه مجلس وقار وحلم، وكان مالك رجلًا مهيبًا نبيلًا ليس في مجلسه شيء من المِرَاء واللَّغط ولا رفع الصوت، وكان الغرباء يسألونه عن الحديث، ولا يجيب إلا الحديث بعد الحديث، وربما أذن لبعضهم فقرأ عليه، وكان له كاتب قد نَسَخَ كُتُبَه يقال له: حبيب يقرأ للجماعة، فليس أحد ممن يحضره يدنو ولا ينظر في كتابه ولا يستفهم هيبة لمالك وإجلالًا، وكان حبيب إذا قرأ فأخطأ فتح عليه مالك. وكان ذلك قليلًا (١).

قال: أخبرنا مطرف بن عبد الله، قال: ما رأيت مالك بن أنس يحتجم إلا يوم الأربعاء أو يوم السبت، ينكر الحديث الذي روى في ذلك.

قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أُوَيْس، قال: اشتكى مالك بن أنس أيامًا يسيرة، فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت، فقال: تَشَهَّد ثم قال: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [سورة الروم: ٤] وتوفي صبيحة أربع عشرة من شهر ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة في خلافة هارون، وصلّى عليه عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب، وهو ابن زينب بنت سليمان بن عليّ، بأمه كان يعرف، يقال: عبد الله بن زينب، وكان يومئذٍ واليًا على المدينة، فصلّى على مالك في موضع الجنائز ودُفن بالبقيع وكان يوم مات ابن خمس وثمانين سنة (٢).

قال محمد بن سعد: فذكرت ذلك لمصعب بن عبد الله الزُّبَيْري فقال: أنا أحفظ الناس لموت مالك، مات في صفر سنة تسع وسبعين ومائة (٣).

قال: أخبرنا مَعْن بن عيسى، قال: رأيتُ الفُسطاط على قبر مالك بن أنَس، وكان مالك ثقة مأمونًا ثبتًا ورعًا فقيهًا عالمًا حجة.


(١) سير أعلام النبلاء ج ٨ ص ٧١.
(٢) المزي ج ٢٧ ص ١١٩ نقلًا عن ابن سعد.
(٣) نفس المصدر نقلًا عن ابن سعد.