للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يا أبا عبد الله ما قعودك وهذا وزير أمير المؤمنين قد عرفك وسألك أن تصير إليه حيث استقرّت به الدار؟ فرحلتُ من المدينة وأنا أظنّ القوم بالعراق، فأتيتُ العراق فسألتُ عن خبر أمير المؤمنين فقالوا لي: هو بالرّقّة.

فأردتُ الانصراف إلى المدينة فنظرتُ فإذا أنا بالمدينة مختلّ الحال، فحملتُ نفسي على أن أصير إلى الرقّة، فصرت إلى موضع الكَراء فإذا أنا بعدّة فتيان من الجند يريدون الرقّة، فلمّا رأوني قالوا: أيّها الشيخ أين تريد؟ فخبّرتهم بخبري وأني أريد الرقّة. فنظرنا في كِرَاء الجمّالين فإذا هي تضعف علينا. فقالوا: أيّها الشيخ هل لك أن تصير إلى السّفُن فهو أرفق بنا وأيسر علينا من كِرَاء الجمال؟ فقلتُ لهم: ما أعرف من هذا شيئًا والأمر إليكم.

فصرنا إلى السفن فاكترينا، فما رأيتُ أحدًا كان أبرّ بي منهم ولا أشفق ولا أحْوَط، يتكلّفون من خدمتي وطعامي ما يتكلّفه الولد من والده، حتى صرنا إلى موضع الجواز بالرقّة، وكان الجواز صعبًا جدًّا، فكتبوا إلى قائدهم بعدادهم وأدخلوني في عدادهم، فمكثنا أيّامًا ثمّ جاءنا الإذن بأسمائنا فجزتُ مع القوم فصرتُ إلى موضع لهم في خان نزول، فأقمتُ معهم أيّامًا وطلبتُ الإذن على يحيَى بن خالد فصعب عليّ، فأتيتُ أبا البَخْتَريّ وهو بي عارف، فلقيتُه فقال لي: يا أبا عبد الله أخطأتَ على نفسك وغرّرتَ ولكن لستُ أدعُ أن أذكرك له.

وكنت أغدو إلى بابه وأروح فقلّت نفقتي واستحييت من رفقائي وتخرّقت ثيابي وأيستُ (١) من ناحية أبي البختري فلم أخْبر رفقائي بشيء، وعُدْتُ منصرفًا إلى المدينة. فمرَّة أنا في سفينة، ومرَّة أمشي حتى وردتُ السّيْلَحين.

فبينا أنا مستريح في سوقها إذا أنا بقافلة من بغداد، فسألتُ من هم فأخبروني أنّهم من أهل مدينة الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، وأنّ صاحبهم بكّار الزّبيريّ أخرجه أمير المؤمنين ليولّيه قضاء المدينة. والزّبيري أصدق الناس لي.

فقلت أدَعُهُ حتى ينزل ويستقرّ ثمّ آتيه. فأتيتُه بعد أن استراح وفرغ من غدائه، فاستأذنتُ عليه فأذن لي، فدخلتُ فسلّمتُ عليه فقال لي: يا أبا عبد الله ماذا صنعتَ في غيبتك؟ فأخبرته بخبري وبخبر أبي البختري، فقال لي: أما علمتَ أنّ


(١) في مختصر ابن منظور وهو ينقل عن الواقدي "وَأُتيتُ".