للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أبا البختري لا يحبّ أن يذكرك لأحد ولا ينبّه باسمك، فما الرأي؟ فقلت: الرأي أن أصير إلى المدينة. فقال: هذا رأيٌ خطأ. خرجتَ من المدينة على ما قد علمتَ، ولكنّ الرأي أن تصير معي فأنا الذاكر ليحيَى أمرك.

فركبتُ مع القوم حتى صرتُ إلى الرقّة، فلمّا عبرنا الجواز قال لي: تصير معي. فقلت: لا، أصير إلى أصحابي وأنا مبكر عليك غدًا لنصير جميعًا إلى باب يحيَى بن خالد إن شاء الله، فدخلتُ على أصحابي فكأنّي وقعت عليهم من السماء، ثمّ قالوا لي: يا أبا عبد الله ما كان خبرك فقد كنّا في غمّ من أمرك؟ فخبّرتُهم بخبري، فأشار على القوم بلزوم الزّبيري وقالوا: هذا طعامك وشرابك لا تهتمّ له.

فغدوتُ بالغداة إلى باب الزّبيري فخُبّرتُ بأنّه قد ركب إلى باب يحيَى بن خالد. فأتيتُ باب يحيَى بن خالد فقعدتُ مليًّا فإذا صاحبي قد خرج فقال لي: يا أبا عبد الله أُنْسيتُ أن أذاكره أمرك ولكن قف بالباب حتى أعود إليه. فدخل ثمّ خرج إليّ الحاجب فقال لي: ادْخل. فدخلتُ عليه في حالٍ خسيسة، وذلك في شهر رمضان وقد بقي من الشهر ثلاثة أيّام أو أربعة. فلمّا رآني يحيَى بن خالد في تلك الحال رأيتُ أثر الغمّ في وجهه، فسلم عليَّ وقرّب مجلسي، وعنده قوم يحادثونه (١). فجعل يذاكرني الحديث بعد الحديث فانقطعتُ عن إجابته وجعلتُ أجئُ بالشيء ليس بالموافق لِما يسألُ، وجعل القوم يجيبون بأحسن الجواب وأنا ساكت.

فلمّا انقضى المجلس وخرج القوم خرجت فإذا خادم ليحيَى بن خالد قد خرج فلقيني عند الستر فقال لي: إنّ الوزير يأمرك أن تُفْطِر عنده العشيّة. فلمّا صرتُ إلى أصحابي خبّرتهم بالقضيّة وقلت: أخاف أن يكون غَلِطَ بي. فقال لي بعضهم: هذه رغيفان (٢) وقطعة جُبن وهذه دابّتي تركب والغلام خلفك، فإن أذن لك الحاجب بالدخول دخلتَ ودفعتَ ما معك إلى الغلام، وإن تكن الأخرى صرتَ إلى بعض المساجد فأكلتَ ما معك وشربتَ من ماء المسجد.


(١) في مختصر ابن منظور "يجاذ بونه".
(٢) لدى ابن عساكر كما في المختصر ج ٢٣ ص ١٣٦ "هذا رغيفين وقطعة جبن".