للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثمّ انصرفتُ يومي ذلك فدخلتُ من الغد على يحيَى بن خالد فقلت: أصلح الله الوزير، حاجةٌ عرضتْ وقد قضيتُ على الوزير أعزّه الله بقضائها فقال لي: وما ذلك؟ فقلت: الإذن إلى منزلي، فقد اشتدّ الشوق إلى العيال والصبيان. فقال لي: لا تفعل. فلم أزل أنازله حتى أذن لي واستخرج لي الثلاثين الألف درهم، وهُيّئتْ لي حرَّاقة (١) بجميع ما فيها، وأمر أن يُشْتَرى لي من طرائف الشأم لأحمله معي إلى المدينة، وأمر وكيله بالعراق أن يكترى لي إلى المدينة لا أكلّف نفقة دينار ولا درهم. فصرتُ إلى أصحابي فأخبرتهم بالخبر وحلفتُ عليهم أن يأخذوا مني ما أصلهم به. فحلف القوم أنَّهم لا يرزءُوني دينارًا ولا درهمًا. فوالله ما رأيتُ مثل أخلاقهم فكيف أُلامُ على حبّي ليحيَى بن خالد.

وحدّثني أحمد بن مسبّح قال: حدّثني عبد الله بن عبيد الله قال: كنتُ عند الواقدي جالسًا إذ ذُكر يحيَى بن خالد بن بَرْمَك، قال: فترحّم عليه الواقدي فأكثر الترحّم، قال: فقلنا له: يا أبا عبد الله إنّك لتُكْثر الترحّم عليه. قال: وكيف لا أترحّم على رجل أُخْبرك (٢) عن حاله؟ كان قد بقى عليَّ من شهر شعبان أقلّ من عشرة أيَّام، وما في المنزل دقيق ولا سَويق ولا عرض من عروض الدنيا، فميَّزتُ ثلاثةً من إخواني في قلبي فقلت: أُنْزِل بهم حاجتي.

فدخلتُ على أمّ عبد الله وهي زوجتي فقالت: ما وراءك يا أبا عبد الله وقد أصبحنا وليس في البيت عرض من عروض الدنيا من طعام أو سويق أو غير ذلك، وقد ورد هذا الشهر؟ فقلت لها: قد ميّزتُ ثلاثةً من إخواني أُنْزِلُ بهم حاجتي. فقالت: مدنيّون أو عراقيّون؟ قال: قلت: بعض مديني وبعض عراقي، فقالت: اعْرِضْهم عليَّ، فقلت لها: فلان. فقالت: رجل حسب ذو يسار إلّا أنّه منّان لا أرى لك أن تأتيه، فسَمّ الآخر. فسمّيتُ الآخر فقلت: فلان. فقالت: رجل حسيب ذو مال إلّا أنّه بخيل لا أرى لك أن تأتيه. قال: فقلت فلان، فقالت: رجل كريم حسيب لا شيء عنده ولا عليك أن تأتيه.

قال: فأتيته فاستفتحتُ عليه الباب فأذن لي عليه فدخلت، فرحّب وقرّب


(١) ضرب من السفن النهرية.
(٢) ابن عساكر "على رجل أجزل عن حاله".