للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قوم من إخوانه يُبْضِعون له به ويوافى الموسم كلّ عام فيلقاهم ويحاسبهم ويأخذ ما ربحوا، وكان ما بيديه نحوًا من مائتى دينار، وكان له ابن لم يكن له غيره فكان سفيان يقول: ما في الدنيا شئ أحَبّ إليّ منه وإنّى لأحبّ أن أقدّمه. قال: فمات ابنه ذاك فجعل كلّ شئ له بعد موت ابنه لأخته وولدها، وكان عمّار بن محمّد ابن أخته، ولم يورث أخاه المبارك بن سعيد شيئًا.

قال: وطُلِبَ سفيان فخرج إلى مكّة، فكتب المهديّ أمير المؤمنين إلى محمّد بن إبراهيم -وهو على مكّة- يطلبه، فبعث محمّد إلى سفيان فأعلمه ذلك وقال: إن كنت تريد إتْيان القوم فاظْهر حتى أبعث بك إليهم، وإن كنتَ لا تريد ذلك فتَوَارَ. قال فتوارى سفيان، وطلبه محمّد بن إبراهيم وأمر مناديًا فنادى بمكّة: من جاء بسفيان فله كذا وكذا، فلم يزل متواريًا بمكّة لا يظهر إلا لأهل العلم ومن لا يخافه (١).

فأخبرنى عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد بن سليمان عن أبي شهاب الحنّاط قال: بعثتْ أخت سفيان الثوري معى بجراب إلى سفيان وهو بمكّة فيه كَعْك وخُشْكَنَانِج (٢)، فَقَدِمْتُ مكّة فسألتُ عنه فقيل لى إنّه ربّما قعد دُبُرَ الكعبة ممّا يَلى باب الحنّاطين، قال: فأتيتُه هناك، وكان لى صديقًا، فوجدته مستلقيًا فسلّمتُ عليه فلم يسائلنى تلك المساءلة ولم يسلّم عليّ كما كنتُ أعرف منه، فقلتُ له: إنّ أختك بعثت إليك معى بجراب فيه كعك وخشكنانج. قال: فعجّل به عليّ. واستوى جالسًا. فقلت: يا أبا عبد الله أتيتك وأنا صديقك فسلّمتُ عليك فلم تردّ علىّ ذاك الرّدّ، فلمّا أخبرتك أنى أتيتك بجراب كعك لا يساوى شيئًا جلستَ وكلّمتنى. فقال: يا أبا شهاب لا تَلُمْنى فإنّ هذه لى ثلاثة أيّام لم أذقْ فيها ذواقًا. فعذرتُه (٣).

قالوا: فلمّا خاف سفيان بمكّة من الطلب خرج إلى البصرة فقدمها فنزل قرب


(١) أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٧ ص ٢٤٤ نقلا عن ابن سعد.
(٢) فسره داود الأنطاكي في التذكرة بأنه: دقيق الحنطة إذا عجن بشيرج،: وبُسط ومُلئ بالسكر واللّوز والفستق وماء الورد، وجُمع وخبز.
(٣) سير أعلام النبلاء ج ٧ ص ٢٤٥ نقلا عن ابن سعد.