للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكان بلغ المشركين بالشأم أن رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يرصد انصرافهم فبعثوا ضَمْضَم بن عمرو حين فصلوا من الشأم إلى قريش بمكّة يخبرونهم بما بلغهم عن رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ويأمرونهم أن يخرجوا فيمنعوا عيرهم.

فخرج المشركون من أهل مكّة سِرَاعًا، ومعهم القيان والدّفوف، وأقبل أبو سفيان بن حرب بالعير، وقد خافوا خوفًا شديدًا حين دَنوا من المدينة، واستبطئوا ضَمْضَمًا والنّفير حتى وَرَد بدرًا، وهو خائف من الرَّصد، فقال لمجدىّ بن عمرو: هل أحسستَ أحدًا من عيون محمّد؟ فإنّه، والله، ما بمكّة من قرشىّ ولا قرشيّة له نشّ (١) فصاعدًا إِلَّا قد بعث به معنا. فقال مَجدىّ: والله ما رأيتُ أحدًا أنكِره إلَّا راكبين أتيا إلى هذا المكان، وأشار له إلى مُناخ عدىّ وبَسْبَس، فجاء أبو سفيان فأخذ أبعارًا من بعيريهما فَفَتَّه، فإذا فيه نوًى فقال: علائف يَثْرب هذه عيون محمّد، فضرَب وجوه العير فساحل بها (٢) وترك بدرًا يسارًا وانطلق سريعًا.

وأقبلت قريش من مكّة، فأرسل إليهم أبو سفيان بن حرب قيسَ بن امرئ القيس يخبرهم أنّه قد أحرز العير ويأمرهم بالرّجوع، فأَبت قريش أن ترجع وردّوا القيان من الجحفة، ولحق الرَّسول أبا سفيان بالهَدة، وهى على سبعة أميال من عُسفان إذا رُحتَ من مكّة عن يسار الطريق، وسكّانها بنو ضمرة وناس من خُزَاعة، فأخبره بمضىّ قريش فقال: واقوماه! هذا عَمَلُ عمرو بن هشام: يعني أبا جهل بن هشام، وقال: والله لا نبرح حتى نَرِدَ بدرًا.

وكانت بدر موسمًا من مواسم الجاهلية يجتمع بها العرب، بها سوق، وبين بدر والمدينة ثمانية بُرُد وميلان، وكان الطريق الذى سلكه رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إلى بدر على الرَّوْحاء وبين الرَّوحاء والمدينة أربعة أيام، ثمّ بريد بالمُنْصَرَف (٣)، ثمّ بريد بذات أجدال (٤)، ثمّ بريد بالمَعلاة، وهى خَيف السلم، ثمّ بريد بالأثيل ثمّ ميلان إلى بدر. وكانت قريش قد أرسلت فرات بن حَيَّان العجلى، وكان مقيمًا بمكّة حين فَصَلت قريش من مكّة، إلى أبى سفيان يخبره بمسيرها وفصولها، فخالَف


(١) النش: عشرون درهمًا، وهو نصف أوقية.
(٢) ساحل بها: أخذ بها جهة الساحل.
(٣) المنصرف: موضع بين مكة والمدينة.
(٤) ذات أجدال بالجيم - بمضيق الصفراء.