وهشام بن أبى أميّة بن المغيرة، والوليد بن العاص بن هشام، وأُميّة بن أبى حُذيفة ابن المُغيرة، وخالد بن الأعلم العُقيلى، وأُبىّ بن خَلف الجُمَحى قتله رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بيده، وأبو عَزّة الجُمَحى واسمه عمرو بن عبد الله بن عُمَيْر بن وهب بن حُذافة بن جُمَح، وقد كان أُسِر يوم بدر فمَنّ عليه رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فقال لا أكثِر عليك جمعًا، ثمّ خرج مع المشركين يوم أحُد فأخذه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أسيرًا ولم يأخذ أسيرًا غيره فقال: مُنّ علىّ يا محمّد! فقال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنّ المُؤمن لا يُلدَغُ من جُحر مرّتين، لا ترجع إلى مكّة تمسح عارضَيك تقول: سَخِرْتُ بمحمد مرّتين، ثمّ أمر به عاصم بن ثابت بن أبى الأقْلَح فضرَب عنقه.
فلمّا انصرف المُشركون عن أحُد أقبلَ المسلمون على أمواتهم وأُتى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بحمزة بن عبد المطّلب فلم يغسله ولم يغسل الشهداء وقال: لُفّوهم بدمائهم وجراحهم، أنا الشَّهيد على هؤلاء، ضَعوهم، فكان حمزة أوّلَ من كبّر عليه رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أربعًا ثمّ جُمع إليه الشهداء، فكان كلّما أُتى بشهيد وُضع إلى جنب حمزة فصلّى عليه وعلى الشهيد حتى صلّى عليه سبعين مرّة، وقد سمعنا من يقول: لم يصلّ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على قَتلَى أُحُد. وقال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احفروا وأعمِقوا وأوسِعوا وقَدّموا أكثرَهم قرآنا. فكان ممّن نعرف أنّه دُفن فى قبر واحد عبد الله بن عمرو بن حرام، وعمرو بن الجَمُوح فى قبر، وخارجة بن زيد وسعد بن الرّبيع فى قبر، والنعمان بن مالك وعَبدة بن الحَسحاس فى قبر واحد، فكان النّاس أو عامّتهم قد حملوا قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم فى نواحيها. فنادى منادى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رُدّوا القتلى إلى مَضاجعهم. فأدرك المنادى رجلًا واحدًا لم يكن دُفن فَرُدّ، وهو شَمّاس بن عُثمان المخزومى.
ثمّ انصرف رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يومئذ فصلّى المغرب بالمدينة وشمِتَ ابن أُبىّ والمنُافقون بما نيل من رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فى نفسه وأصحابه، فقال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لن ينالوا منّا مثل هذا اليوم حتى نستلم الرّكن، وبَكَت الأنصار على قتلاهم فسمع ذلك رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: لكنّ حمزة لا بوَاكىَ له. فجاء نساء الأنصار إلى باب رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فبكَيْن على حمزة فدعا لهنّ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأمرهنّ بالانصراف: فهنّ إلى اليوم إذا مات الميّت من الأنصار بدأ النساء فبكيْن على حَمزة ثمّ بكيْن على ميّتهنّ.