ولا صَلَّى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا أصحابه ظُهرًا ولا عَصرًا ولا مَغْربًا ولا عِشاءً حتى كشَفَهم الله فرجعوا متفرّقين إلى منازلهم وعَسْكرِهم وانصرف المسلمون إلى قُبّة رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وأقام أسيد بن الحُضَير على الخندق فى مائتين من المسلمين وكَرَّ خالد بن الوليد فى خَيل من المشركين يطلبون غرّةً من المسلمين، فَنَاوشوهم ساعة ومع المشركين وَحْشِىّ، فَزَرَق الطُّفيلَ بن النُّعمان من بَنى سَلمَة بمزرَاقِه فَقَتله وانكشفوا وصار رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إلى قُبّته فأمر بلالًا فأذّنَ وأقام الظّهر فصلّى، ثمّ أقام بعد كلّ صلاةٍ إقامة إقامةً وصلَّى هو وأصحابه ما فاتهم من الصلوات وقال: شَغَلونا عن الصّلاة الوُسطى، يعنى العصر، مَلأَ الله أجوافَهم وقُبورهم نارًا! ولم يكن لهم بعد ذلك قتال جميعًا حتى انصرفوا إلّا أنهم لا يدَعون يبعثون الطّلائع بالليل يطمعون فى الغارة. وحُصِرَ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأصحابه بضع عشرة ليلة حتى خلص إلى كلّ امرئ منهم الكَرْبُ، فأراد رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن يصالح غَطَفانَ على أن يعطيهم ثُلُثَ الثمرة ويخذّلوا بين النّاس وينصرفوا عنه، فأبت ذلك الأنصار فترك ما كان أراد من ذلك.
وكان نُعيم بن مسعود الأشْجَعى قد أسلَم فحسُن إسلامه فمشى بين قُريش وقُرَيْظة وغَطَفان وأبلَغ هؤلاء عن هؤلاء كلامًا وهؤلاء عن هؤلاء كلامًا يُرى كلّ حزبٍ منهم أنّه ينصح له، فَقَبِلوا قوله وخَذّله عن رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، واستوحش كلّ حزبٍ من صاحبه، وطلبت قُريظة من قريش الرهنَ حتى يخرجوا فيقاتلوا معهم، فأَبَت ذلك قريش واتّهموهم واعتلّت قُريظة عليهم بالسّبت وقالوا: لا نُقاتل فيه لأنّ قومًا منّا عدوا فى السبت فَمُسِخُوا قِرَدَةً وخَنَازيرَ. فقال أبو سفيان بن حرب: ألا أرانى أستعين بإخوة القِرَدَةِ والخنازير. وبعث الله الرّيحَ ليلةَ السبت ففعلت بالمشركين وتركت لا تُقِرّ لهم بناءً ولا قِدْرًا.
وبعث رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حُذيفة بن اليَمَان إليهم ليأتيه بخبرهم، وقام رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّى تلك الليلة، فقال أبو سفيان بن حرب: يا معشر قريش إنّكم لستم بدار مُقامٍ، لقد هلك الخُفّ والحافر وأجدب الجناب وأخلفتنا بنو قُريظة ولقد