للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فتحوّل عبد الرحمن على فَرس الأخرم فيلحق أبو قتادة بعبد الرحمن فاختلفا طعنتين فَعَقَر بأبى قتادة وقتله أبو قتادة، وتحوّل أبو قتادة على فرس الأخرم.

ثمّ إنّى خرجتُ أعدو فى أثر القوم حتى ما أرى من غُبار أصحاب النبىّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، شيئًا ويعرضون إلى شِعب فيه ماءٌ يقال له ذو قَرَد، فأرادوا أن يشربوا منه فأبصرونى أعدو وراءهم فَعَطفوا عنه وأسندوا فى الثنيّة ثنيّة ذى دبر وغربت الشمس فألحقُ رجلًا فأرميه فقلت:

خُذها! وأنَا ابن الأكوَعِ … واليومُ يومُ الرّضّعِ!

فقال: يا ثَكَلَ أمىّ! أأكوَعى بُكرَةَ (١)؟ قال: قلتُ: نعمْ يا عدوّ نفسه! فكان الذى رَميتهُ بُكرَة فاتّبعته بسهم آخر فعلق فيه سهمان ويخلّفون فرسين فجئت بهما أَسُوقهما إلى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو على الماء الذى حلأتُهم عنه ذو قَرَد، فإذا نَبىّ الله فى خمسمائة، وإذا بلال قد نَحَر جزورًا ممّا خلّفتُ فهو يشوى لرسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من كبدها وسنامها، فأتيتُ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقلت: يا رسول الله خَلّنى فأنتخب من أصحابك مائة فآخُذَ على الكَفّار بالعَشوة فلا يبقى منهم مُخبر إلّا قتلته: قال: أَكُنتَ فاعلًا ذلك يا سلمة؟ قلت: نعم، والذى أكرَمك! فضحك رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حتى رأيتُ نواجذَه فى ضوء النّار ثمّ قال: إنّهم الآن يُقْرَوْنَ بأرض بنى غَطفان، فجاء رجل من غَطَفَان فقال: مرّوا على فلان الغَطَفانى فَنَحَرَ لهم جَزورًا، فلمّا أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرةً فتركوها وخرَجوا هرّابًا.

فلمّا أصبحنا قال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خير فُرساننا اليوم أبو قتادة وخير رَجّالتنا اليومَ سَلمة، فأعطانى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، سهم الراجل والفارس ثمّ أردفنى وراءه على العَضْباء راجعين إلى المدينة، فلمّا كان بيننا وبينها قريبًا من ضَحوة، وفى القوم رجلٌ من الأنصار كان لا يُسبَق جعل يُنادى: هل من مسابق؟ ألا رجل يسابق إلى المدينة؟ فأعاد ذلك مرارًا وأنا وراء رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مُرْدفى فقلتُ له: ما تُكرمُ كريمًا ولا تهابُ شريفًا؟ قال: لا، إلا رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقلت: يا رسول الله بأبى أنت وأمّى خَلّنى فلأسابق الرجلَ! فقال: إن شئتَ: فقلت: أذهَبُ إليك. فطفر عن راحلته وثنيتُ رجلى فطفرت عن الناقة ثمّ إنّى ربطت عليه


(١) يعنى: أنت الأكوع الذى تبعنى بكرة اليوم.