صُرَد، وفيهم أبو بُرْقان عمّ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من الرضاعة فسألوه أن يَمُنّ عليهم بالسّبى فقال: أبناؤكم ونساؤكم أحبّ إليكم أم أموالكم؟ قالوا: ما كنّا نعدل بالأحساب شيئًا. فقال: أمّا ما لي ولبنى عبد المطّلب فهو لكم وسأسألُ لكم النّاس: فقال المهاجرون والأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فقال الأقرع بن حابس: أمّا أنا وبنو تَميم فلا! وقال عُيينة بن حصن: أمّا أنا وبنو فَزارة فلا! وقال العبّاس بن مرْداس: أمّا أنا وبنو سُليم فلا! وقالت بنو سُليم: ما كان لنا فهو لرسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال العبّاس بن مرْداس: وهَّنتمونى! وقال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إنّ هؤلاء القوم جاءوا مسلمين، وقد كنت استأنيت بسبيهم وقد خيّرْتُهم فلم يعدلوا بالأبناء والنساء شيئًا، فمن كان عنده منهما شئ فطابت نفسه أن يردّه فسبيل ذلك، ومن أبَى فليردّ عليهم وليكن ذلك قَرْضًا علينا ستّ فرائض من أوّل ما يُفئ الله علينا. قالوا: رضينا وسلّمنا، فردّوا عليهم نساءَهم وأبناءَهم ولم يختلف منهم أحدٌ غير عُيينة بن حصن، فإنّه أبَى أن يردّ عجوزًا صارت في يده منهم ثمّ ردّها بعد ذلك.
وكان رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد كسا السّبىَ قُبْطيّةً قبطيّة (١).
قالوا: فلمّا رأت الأنصار ما أعطى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في قريش والعرب تكلّموا في ذلك فقال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا معشر الأنصار أما تَرضون أن يرجع النّاس بالشاء والبعير وترجعوا برسول الله إلى رِحَالكم؟ قالوا: رضينا يا رسول الله بك حَظًّا وقسْمًا! فقال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار! وانصرف رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وتفرّقوا. وكان رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، انتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليالٍ خَلَون من ذى القعدة فأقام بها ثلاث عشر ليلة، فلمّا أراد الانصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة بقيت من ذي القعدة ليلًا، فأحرم بعُمرة ودخل مكّة فطاف وسعى وحلق رأسه ورجع إلى الجعرانة من ليلته كبائتٍ، ثمّ غَدَا يوم الخميس فانصرف إلى المدينة
(١) لدي ابن الأثير في النهاية (قبط) في حديث أسامة "كساني رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُبطية" القُبطية الثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء، وكأنه منسوب إلى القبط، وهم أهل مصر. وضم القاف من تغيير النَّسب. وهذا من الثياب، فأما في الناس فقبطي بالكسر.