فسلك في وادى الجعرانة حتى خرج على سَرِف ثمّ أخذ الطريق إلى مَرّ الظّهْران ثمّ إلى المدينة، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
أخبرنا الضحّاك بن مَخْلَد الشيبانى أبو عاصم النّبيل قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يَعْلَى بن كعب الثّقفى وأخبرنى عبد الله بن عبّاس عن أبيه: أنّ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أتى هوازن في اثنا عشر ألفًا، فقتل منهم مثل ما قتَل من قريش يوم بدر وأخذ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ترابًا من البطحاء فرمى به وجوهنا فانهزمنا.
أخبرنا محمّد بن حميد العَبْدى عن معمر عن الزهريّ عن كثير بن عبّاس بن عبد المطّلب عن أبيه قال: لمّا كان يوم حُنين التقى المسلمون والمشركون فولّى المسلمون يومئذ، فلقد رأيتُ رسول الله وما معه أحدٌ إلّا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب أخذ بغَرْز النبيّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والنبيّ ما يألو ما أسرع نحو المشركين، قال: فأتيته حتى أخذت بلجامه وهو على بَغْلَة له شَهْباء فقال: يا عبّاس نادِ يا أصحاب السّمُرة! قال: وكنت رجلًا صَيّتًا فناديتُ بصوتى الأعلى أين أصحاب السّمُرة؟ فأقبلوا كأنّهم الإبل إذا حَنَّت إلى أولادها: يا لبّيك، يا لبّيك، يا لبّيك! وأقبل المشركون فالتقوا هم والمسلمون. ونادت الأنصار: يا معشر الأنصار! مرّتين، ثمّ قصرت الدعوى فى بني الحارث بن الخزرج فنادوا: يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر النبيّ وهو على بغلته كالمتطاول إلى قتالهم فقال هذا حين حمى الوطيس، ثمّ أخذ بيده من الحَصَى فرماهم بها ثمّ قال: انهزموا وربّ الكعبة! قال: فوالله ما زال أمرهم مُدْبِرًا وحَدّهم كَليلًا حتى هَزمهم الله فكأنّى أنظر إلى النبي، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يركض خلفهم على بغلة له.
قال الزهريّ: وأخبرنى ابن المسيب أنّهم أصابوا يومئذ ستّة آلاف من السَّبى فجاءوا مسلمين بعد ذلك فقالوا: يا نبيّ الله أنت خير النّاس وقد أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالنا! فقال: إن عندي مَن تَرَون وإن خير القولِ أصدقُه فاختاروا منى إمّا ذَرَارِيّكم ونساءكم وإمّا أموالكم: قالوا: ما كنّا لنعدل بالأحساب شيئًا. فقام النبيّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، خطيبًا فقال: إنّ هؤلاء قد جاءوا مسلمين وإنّا قد خيّرناهم بين، الذّرَارى والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئًا فمن كان عنده منهم شئ فطابت نفسه أن يردّه فسبيل ذلك، ومن لا فليُعطنا وَلْيَكنْ قرْضًا علينا حتَّى نُصيب شيئًا