لَعَمْرُكَ مَا أبكى النّبيّ لِموْتِهِ! … ولكِنْ لِهَرْجٍ كان بَعدَكَ آتيَا
كَأنّ عَلى قَلبى لذِكْرِ مُحَمّدٍ، … ومَا خِفتُ من بعدِ النّبيّ المَكاوِيا
أفاطِمَ صلّى الله، رَبّ مُحَمّدٍ، … عَلى جَدَثٍ أمْسَى بيْثرِبَ ثَاوِيا!
أبَا حَسَنٍ فَارَقْتَهُ وتَرَكْتَهُ، … فَبَكّ بحُزْنٍ آخرَ الدّهرِ شَاجِيَا!
فِدًا لِرَسُولِ اللهِ أُمّى وَخَالَتى … وَعَمّى وَنَفْسى قُصْرَةً ثمّ خَاليا
صَبَرْتَ وَبَلّغْتَ الرّسالَةَ صَادِقًا، … وقُمْتَ صَليبَ الدينِ أبْلَجَ صَافيا!
فَلَوْ أنّ رَبّ النّاسِ أبقَاكَ بَيْنَنَا … سَعِدْنَا، ولكنْ أمرُنا كان ماضِيا!
عَلَيْكَ مِنَ اللهِ السّلامُ تَحِيّةً، … وَأُدخِلْتَ جَنَّاتٍ من العَدْنِ رَاضِيا!
قال: وقالت عاتِكة بنت عبد المطّلب ترثى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
عَينيّ جُودا طَوَالَ الدّهرِ وَانْهَمِرَا … سَكبًا وَسَحًّا بدَمعٍ غَيرِ تَعذيرِ!
يا عَينِ فاسحَنفِرى بالدّمعِ وَاحتَفَلى … حتى المَماتِ بسَجْلٍ غَيرِ مَنْزُورِ
يا عَينِ فانهمِلى بالدّمعِ واجتَهِدى … للمُصْطَفى، دونَ خَلقِ اللهِ، بالنورِ
بمُستَهَلٍّ من الشؤبوبِ ذى سَيَلٍ، … فقد رُزِئْتُ نبيّ العَدْلِ وَالخيرِ!
وكُنْتُ من حَذَرٍ للموْتِ مُشفقةً، … وَللّذى خُطّ من تلكَ المقَاديرِ!
مِن فقدِ أزْهَرَ ضَافى الخلق ذى فخَرٍ … صَافٍ من العَيبِ وَالعاهاتِ وَالزّورِ!
فاذهَبْ حَمِيدًا! جَزَاكَ الله مغفرةً، … يوْمَ القيامةِ، عَندَ النَّفْخِ في الصُّورِ
وقالت عاتِكة بنت عبد المطّلب (١):
يا عَينِ جودى، ما بقِيتِ، بعَبْرَةٍ … سَحًّا على خَيرِ البَرِيّةِ أحْمَدِ
يا عَينِ فاحتَفلى وَسُحّى وَاسْجُمى … وَابكى عَلى نُورِ البلاد مُحَمّدِ!
أنّى، لَكِ الوَيلاتُ! مثلُ مُحَمّدٍ … في كلّ نائِبَةٍ تَنُوبُ وَمَشْهَدِ؟
فابكى المبارَكَ والموفَّقَ ذا التّقَى، … حَامى الحقيقةِ ذا الرّشادِ المرْشِدِ
مَنْ ذا يَفُكّ عَنِ المغَلَّلِ غُلّهُ … بَعْدَ المغَيَّبِ في الضّريحِ الملحَدِ؟
أمْ مَنْ لكلّ مُدَفَّعٍ ذى حاجَةٍ، … وَمُسَلْسَلٍ يَشكو الحديدَ مُقَيَّدِ؟
(١) راجع النويري ج ١٨ ص ٤٠٥ - ٤٠٦.