للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَيَّبَتْ ذَبَحَهَا، وَأَجْزَأَتْهُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ التَّعْيِينِ، كَالْفِدْيَةِ وَالْمَنْذُورِ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهَا. وَهَلْ لَهُ اسْتِرْجَاعُ هَذَا الْعَاطِبِ وَالْمَعِيبِ؟

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

وَلِسَائِرِ النَّاسِ، لِحَدِيثِ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ صَاحِبِ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ: «ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ النَّاسِ» فَدَلَّ عَلَى تَسْوِيَةِ الرُّفْقَةِ بِالْأَجَانِبِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِمَعْنًى خاص يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى عُمُومِ مَا يُخَالِفُهُ، وَالتَّسْوِيَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُشْفِقُ عَلَى رُفْقَتِهِ، وَيُحِبُّ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُوَسِّعَ عَلَيْهِمْ مِنْ مُؤْنَتِهِ. وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ قَدْ خَالَفَا فِي ذَلِكَ. وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَكَلَ مِنْهَا أَوْ أَطْعَمَ غَنِيًّا أَوْ رُفْقَتَهُ، ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ لَحْمًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْأَكْلِ مِنْهَا، أَوْ أَطْعَمَ مِنْهَا فَقِيرًا.

فَرْعٌ: هَدْيُ التَّطَوُّعِ دُونَ مَحِلِّهِ إِنْ دَامَتْ نِيَّتُهُ فِيهِ قَبْلَ ذَبْحِهِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ فَسَخَهَا قَبْلَ ذَبْحِهِ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ كَبَقِيَّةِ مَالِهِ (وَإِنْ) أَوْجَبَ أُضْحِيَّةً سَلِيمَةً، ثُمَّ (تَعَيَّبَتْ) عِنْدَهُ (ذَبَحَهَا وَأَجْزَأَتْهُ) . نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ جَرَّ بَقَرَةً إِلَى الْمَنْحَرِ بِقَرْنِهَا فَانْقَلَعَ كَتَعْيِينِهِ مَعِيبًا فَبَرِأَ، لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: «ابْتَعْنَا كَبْشًا نُضَحِّي بِهِ فَأَصَابَهُ الذِّئْبُ مِنْ أَلْيَتِهِ فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَنَا أَنْ نُضَحِّيَ بِهِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ بِهَا فَلَمْ يَمْنَعِ الْإِجْزَاءَ؛ كَالْعَيْبِ الْحَادِثِ بِمُعَالَجَةِ الذَّبْحِ، فَلَوْ تَعَيَّبَتْ بِفِعْلِهِ، لَزِمَهُ بَدَلُهَا (إِلَّا أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ التَّعْيِينِ، كَالْفِدْيَةِ) مِنَ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ فِي النُّسُكِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ (وَالْمَنْذُورُ فِي الذِّمَّةِ) فَشَمِلَ قِسْمَيْنِ: مَا وَجَبَ بِغَيْرِهِ، وَمَا وَجَبَ بِالنَّذْرِ (فَإِنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهَا) لِأَنَّ عَلَيْهِ دَمًا سَلِيمًا، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ، وَكَمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاشْتَرَى مِنْهُ مَكِيلًا فَتَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَعَادَ الدَّيْنُ إِلَى ذِمَّتِهِ، وَيَلْزَمُهُ أَفْضَلُ مِمَّا فِي الذِّمَّةِ إِنْ كَانَ تَلَفُهُ بِتَفْرِيطِهِ، فَلَوْ وَلَدَتْ فَهَلْ يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ كَمَا تَبِعَهَا ابْتِدَاءً فَيَبْطُلُ التَّعْيِينُ فِيهِ أَوْ لَا، لِأَنَّ الْبُطْلَانَ فِي الْأُمِّ لِمَعْنًى اخْتَصَّ بِهَا؛ فِيهِ وَجْهَانِ.

(وَهَلْ لَهُ اسْتِرْجَاعُ هَذَا الْعَاطِبِ، وَالْمَعِيبِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "

<<  <  ج: ص:  >  >>