مَا يَرَوْنَ السَّلَامَةَ فِيهِ، وَإِنْ شَكُّوا، فَعَلُوا مَا شَاءُوا مِنَ الْمَقَامِ أَوْ إِلْقَاءِ نُفُوسِهِمْ فِي الْمَاءِ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُمُ الْمُقَامُ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَيَكُونُوا أَفْضَلَ مِنَ الْمُوَلِّينَ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وهُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَوْلَى، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَحَمَلَ ابْنُ الْمُنَجَّا كَلَامَهُ هُنَا عَلَى الْأَوْلَى، جَمْعًا بَيْنَ نَقْلِهِ وَمُوَافَقَةِ الْأَصْحَابِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمُ الْهَلَاكُ فَالْأَوْلَى الثَّبَاتُ وَالْقِتَالُ. وَعَنْهُ: لُزُومًا، قَالَ أَحْمَدُ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَسْتَأْسِرَ. وَقَالَ: فَلْيُقَاتِلْ أَحَبُّ إِلَيَّ إِلَّا لِأَمْرٍ شَدِيدٍ. وَقَالَ عَمَّارٌ: مَنِ اسْتَأْسَرَ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، فَلِهَذَا قَالَ الْآجُرِّيُّ: يَأْثَمُ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِنِ اسْتَأْسَرُوا جَازَ. قَالَهُ فِي " الْبُلْغَةِ ".
تَنْبِيهٌ: إِذَا نَزَلَ الْعَدُوُّ بِبَلَدٍ فَلِأَهْلِهِ التَّحَصُّنُ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهِمْ لِيَلْحَقَهُمْ مَدَدٌ وَقُوَّةٌ، وَلَا يَكُونُ تَوَلِّيًا، وَلَا فِرَارًا (وَإِنْ أُلْقِيَ فِي مَرْكَبِهِمْ نَارٌ) وَاشْتَعَلَ بِهِمْ (فَعَلُوا مَا يَرَوْنَ السَّلَامَةَ فِيهِ) لِأَنَّ حِفْظَ الرُّوحِ وَاجِبٌ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، فَهُنَا كَذَلِكَ (وَإِنْ شَكُّوا فَعَلُوا مَا شَاءُوا مِنَ الْمُقَامِ، أَوْ إِلْقَاءِ نُفُوسِهِمْ فِي الْمَاءِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُمُ ابْتُلُوا بِأَمْرَيْنِ، وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَكَظَنِّ السَّلَامَةِ فِي الْمَقَامِ، وَالْوُقُوعِ فِي الْمَاءِ ظَنًّا مُتَسَاوِيًا؛ لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هُمَا مَرْتَبَتَانِ فَاخْتَرْ أَيْسَرَهُمَا.
(وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُمُ الْمُقَامُ) نَصَرَهُمَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، لِأَنَّهُمْ إِذَا أَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ كَانَ مَوْتُهُمْ بِفِعْلِهِمْ، وَإِنْ أَقَامُوا فَمَوْتُهُمْ بِفِعْلِ غَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَحَّحَهَا، وَصَحَّحَ فِي " النِّهَايَةِ " الْأُولَى، وقَالَ: لِأَنَّهُمْ مُلْجَأُونَ إِلَى الْإِلْقَاءِ، فَلَا يُنْسَبُ إِلَيْهِمُ الْفِعْلُ بِوَجْهٍ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يُخَلِّصُهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute