للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ بِمُسْلِمٍ أَوْ مَالٍ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ بِمَالٍ إِلَّا غَيْرُ الْكِتَابِيِّ، فَفِي اسْتِرْقَاقِهِ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ الْمُطْعَمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَّ عَلَى أَبِي عُرْوَةَ الشَّاعِرِ، وَعَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَعَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ.

وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ (وَالْفِدَاءُ) لِلْآيَةِ، وَلِمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَهُوَ جَائِزٌ (بِمُسْلِمٍ) بِلَا نِزَاعٍ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ وَغَيْرِهِ (أَوْ بِمَالٍ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَادَى أَهْلَ بَدْرٍ بِالْمَالِ بِلَا رَيْبٍ.

(وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ) بِالْمَالِ. وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي " الْهِدَايَةِ " وَجْهًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنْزَلَ {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: ٦٧] إِلَى قَوْلِهِ {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: ٦٨] وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمُ السِّلَاحَ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْوِيَتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَبَيْعُ أَنْفُسِهِمْ أَوْلَى، وَهَذَا التَّخْيِيرُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُقَاتِلَةِ الْأَحْرَارِ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، فَإِنْ كَانُوا أَرِقَّاءَ فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ قَتْلِهِمْ، وَتَرْكِهِمْ غَنِيمَةً كَالْبَهَائِمِ. وَأَمَّا النِّسَاءُ، وَالذُّرِّيَّةُ فَيَصِيرُونَ أَرِقَّاءَ بِنَفْسِ السَّبْيِ؛ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِهِمْ، وَكَانَ يَسْتَرِقُّهُمْ إِذَا سَبَاهُمْ. وَمَنْ يَحْرُمُ قَتْلُهُ كَالزَّمِنِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالْأَعْمَى، فَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ لِتَحْرِيمِ قَتْلِهِمْ، وَعَدَمِ النَّفْعِ فِي اقْتِنَائِهِمْ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي " الْمُغْنِي ": يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ الشَّيْخِ وَالزَّمِنِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، فَقَالَ: كُلُّ مَنْ لَا يُقْتَلُ كَأَعْمَى وَغَيْرِهِ، يَرِقُّ بِنَفْسِ السَّبْيِ، وَتَوَسَّطَ الْمَجْدُ فَجَعَلَ مَنْ فِيهِ نَفْعٌ مِنْ هَؤُلَاءِ حُكْمَهُ حُكْمَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ، إِذِ الزَّمِنُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نَاطُورًا، وَالْأَعْمَى يَنْفُخُ فِي كِيرِ الْحَدَّادِ، إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ النَّفْعُ الْمُطْلَقُ.

تَنْبِيهٌ: إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ قَبْلَ أَسْرِهِ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تَخْيِيرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>