الْعُرَفَاءَ، وَيَعْقِدُ لَهُمُ الْأَلْوِيَةَ، وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شِعَارًا يَتَدَاعَوْنَ بِهِ عِنْدَ الْحَرْبِ، وَيَتَخَيَّرُ لَهُمُ الْمَنَازِلَ وَيَتَتَبَّعُ مَكَامِنَهَا، فَيَحْفَظُهَا، وَيَبُثُّ الْعُيُونَ عَلَى الْعَدُوِّ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ، وَيَمْنَعُ جَيْشَهُ مِنَ الْفَسَادِ وَالْمَعَاصِي، وَيَعِدُ ذَا الصَّبْرِ بِالْأَجْرِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْقِتَالِ لِطَمَعِهَا فِي الْعَدُوِّ (وَيُعَرِّفُ عَلَيْهِمُ الْعُرْفَاءَ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَّفَ عَامَ خَيْبَرَ عَلَى كُلِّ عَشْرَةٍ عَرِيفًا، وَلِأَنَّهُ يَنْظُرُ فِي حَالِهِمْ، وَيَتَفَقَّدُهُمْ، وَهُوَ أَقْرَبُ أَيْضًا لِجَمْعِهِمْ وَقَدْ وَرَدَ «الْعِرَافَةُ حَقٌّ» ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَصْلَحَةَ النَّاسِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: «الْعُرَفَاءُ فِي النَّارِ» فَتَحْذِيرٌ لِلتَّعَرُّضِ لِلرِّيَاسَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقُمْ بِحَقِّهَا اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ (وَيَعْقِدُ لَهُمُ الْأَلْوِيَةَ) وَهِيَ الْمَطَارِفُ الْبِيضُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ اللِّوَاءُ: رَايَةٌ لَا يَحْمِلُهَا إِلَّا صَاحِبُ جَيْشِ الْعَرَبِ، أَوْ صَاحِبُ دَعْوَةِ الْجَيْشِ. وَهِيَ أَعْلَامٌ مُرَبَّعَةٌ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَبَّاسِ حِينَ أَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ احْتَبِسْهُ عَلَى الْوَادِي حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللَّهِ فَيَرَاهَا، قَالَ: فَحَبَسْتُهُ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَرَّتْ بِهِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا» . وَلِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا نَزَلَتْ بِالنَّصْرِ؛ نَزَلَتْ مُسَوَّمَةً بِهَا، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَكُونُ بِأَيِّ لَوْنٍ شَاءَ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " يُسْتَحَبُّ أَلْوِيَةٌ بِيضٌ، وَفِي " الشَّرْحِ " كَالْمُحَرَّرِ، وَزَادَ: يُغَايِرُ أَلْوَانَهَا، لِيَعْرِفَ كُلُّ قَوْمٍ رَايَتَهُمْ.
(وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شِعَارًا يَتَدَاعَوْنَ بِهِ) عِنْدَ الْحَرْبِ لِمَا رَوَى سَلَمَةُ قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ شِعَارُنَا: أَمُتْ أَمُتْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا «حم لَا يُنْصَرُونَ» وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا احْتَاجَ إِلَى نُصْرَةِ صَاحِبِهِ، وَرُبَّمَا يَهْتَدِي بِهَا إِذَا ضَلَّ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " أَوْ لِئَلَّا يَقَعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. (وَلْيَتَخَيَّرْ لَهُمُ الْمَنَازِلَ) أَيْ: أَصْلَحَهَا كَالْخِصْبَةِ؛ لِأَنَّهَا أَرْفَقُ بِهِمْ، وَهُوَ مِنْ مَصْلَحَتِهِمْ (وَيَتَتَبَّعْ مَكَامِنَهَا) وَهِيَ جَمْعُ مَكْمَنٍ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَخْتَفِي بِهِ الْعَدُوُّ (فَيَحْفَظُهَا) لِيَأْمَنَ هُجُومَ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ. (وَيَبُثُّ الْعُيُونَ عَلَى الْعَدُوِّ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ الزُّبَيْرَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فِي غَزَاةِ الْخَنْدَقِ فِي أُخْرَى. وَقَدْ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إِلَى الْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ. (حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ) فَيَتَحَرَّزُ مِنْهُمْ وَيَتَمَكَّنُ مِنَ الْفُرْصَةِ فِيهِمْ. (وَيَمْنَعُ جَيْشَهُ مِنْ الْفَسَادِ وَالْمَعَاصِي) ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا سَبَبُ الْخِذْلَانِ، وَتَرْكَهَا دَاعٍ لِلنَّصْرِ، وَسَبَبُ الظَّفَرِ، وَكَذَا يَمْنَعُهُمْ مِنَ التِّجَارَةِ الْمَانِعَةِ لَهُمْ مِنَ الْقِتَالِ. (وَيَعِدُ ذَا الصَّبْرِ بِالْأَجْرِ وَالنَّفْلِ) لِأَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى بَذْلِ جُهْدِهِ، وَزِيَادَةِ صَبْرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute