للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَرْحَى. وَلَا يَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَيَرْفُقُ بِهِمْ فِي الْمَسِيرِ، وَيُعِدُّ لَهُمُ الزَّادَ، وَيُقَوِّي نُفُوسَهُمْ بِمَا يُخَيِّلُ إِلَيْهِمْ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ، وَيُعَرِّفُ عَلَيْهِمُ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

(وَلَا يَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ لَهُ: تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمِنُ مكْره، وَغَائِلَتُهُ لِخُبْثِ طَوِيَّتِهِ، وَالْحَرْبُ تَقْتَضِي الْمُنَاصَحَةَ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا إِلَّا (عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ) كَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَانَ بِنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي حَرْبِهِ.» رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَيُرْوَى أَيْضًا أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ شَهِدَ حُنَيْنًا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَبِهَذَا حَصَلَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَقَدَّمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، مِثْلَ كَوْنِ الْكُفَّارِ أَكْثَرَ عَدَدًا وَيَخَافُ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ مَعَ حُسْنِ رَأْيٍ فِي الْمُسْلِمِينَ. جَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " وَزَادَ آخَرُونَ: وَقَوَّتُهُ بِهِمْ بِالْعَدِّ. وَفِي " الْوَاضِحِ " رِوَايَتَانِ: الْجَوَازُ، وَعَدَمُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَبَنَاهُمَا عَلَى الْإِسْهَامِ لَهُ، وَرَدَّهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَاخْتَارَ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ إِلَّا لِلضَّرُورَةِ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَخْتَلِفُ أَنَّهُ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ، وَلَا يُعَاوِنُونَ. وَأَخَذَ الْقَاضِي مِنْ تَحْرِيمِ الِاسْتِعَانَةِ تَحْرِيمَهَا فِي الْعِمَالَةِ وَالْكِتَابَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ دِيوَانًا لِلْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": يُكْرَهُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ.

فَرْعٌ: تَحْرُمُ الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ أَعْظَمُ ضَرَرًا لِكَوْنِهِمْ دُعَاةً بِخِلَافِ الْيَهُودِ والنصارى نَصَّ عَلَى ذَلِكَ (وَيَرْفُقُ بِهِمْ فِي الْمَسِيرِ) فَيَسِيرُ بِهِمْ سَيْرَ أَضْعَفِهِمْ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمِيرُ الْقَوْمِ أَفْطَفُهُمْ» أَيْ: أَقَلُّهُمْ سَيْرًا، وَلِئَلَّا يَنْقَطِعَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، أَوْ يَشُقَّ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الْجِدِّ فِيهِ، جَازَ، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: أَكْرَهُ السَّيْرَ الشَّدِيدَ إِلَّا لِأَمْرٍ يَحْدُثُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَدَّ حِينَ بَلَغَهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون: ٨] . لِيَشْغَلَ النَّاسَ عَنِ الْخَوْضِ فِيهِ. (وَيُعِدُّ لَهُمُ الزَّادَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ، وَبِهِ قِوَامُهُمْ، وَرُبَّمَا طَالَ سَفَرُهُمْ فَيَهْلَكُونَ حَيْثُ لَا زَادَ لَهُمْ. (وَيُقَوِّي نُفُوسَهُمْ بِمَا يُخَيِّلُ إِلَيْهِمْ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ) فَيَقُولُ: أَنْتُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا، وَأَشَدُّ أَبْدَانًا، وَأَقْوَى قُلُوبًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَسْتَعِينُ بِهِ النُّفُوسُ عَلَى الْمُصَابَرَةِ، وَيَبْعَثُهَا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>