للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَتَرْسٌ، فَقَدْ أَمَّنَهُ، وَمَنْ جَاءَ بِمُشْرِكٍ فَادَّعَى أَنَّهُ أَمَّنَهُ، فَأَنْكَرَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَعَنْهُ:

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» كَقَوْلِهِ: لَا خَوْفَ عَلَيْكَ وَلَا تَذْهَلْ. وَكَمَا لَوْ أَمَّنَ يَدَهُ أَوْ بَعْضَهُ. (أَوْ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ) لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا قَالَ لِلْهُرْمُزَانِ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ، قَالَتْ لَهُ الصَّحَابَةُ: قَدْ أَمَّنْتَهُ، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. (أَوْ: أَجَرْتُكَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» (أَوْ: قِفْ) كَقُمْ (أَوْ أَلْقِ سِلَاحَكَ) لِأَنَّ الْكَافِرَ يَعْتَقِدُهُ أَمَانًا أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ. (أَوْ مَتَرْسٌ) وَمَعْنَاهُ: لَا تَخَفْ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَالتَّاءِ، وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ، وَيَجُوزُ سُكُونُ التَّاءِ، وَفَتْحُ الرَّاءِ، وَهِيَ كَلِمَةٌ أَعْجَمِيَّةٌ. (فَقَدْ أَمَّنَهُ) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ كُلَّ لِسَانٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَعْجَمِيًّا فَقَالَ: (مَتَرْسٌ) فَقَدْ أَمَّنَهُ. وَالْإِشَارَةُ كَالْقَوْلِ قَالَ عُمَرُ: لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى السَّمَاءِ إِلَى مُشْرِكٍ فَنَزَلَ إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ، لَقَتَلْتُهُ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْأَمَانِ، فَظَنَّهُ أَمَانًا، فَهُوَ أَمَانٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَرَى الْعِلْجُ أَنَّهُ أَمَانٌ، فَهُوَ أَمَانٌ، وَقَالَ: إِذَا اشْتَرَاهُ لِيَقْتُلَهُ فَلَا يَقْتُلْهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا اشْتَرَاهُ فَقَدْ أَمَّنَهُ.

فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَصِحُّ الْأَمَانُ بِالْإِشَارَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّطْقِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ؟ .

قُلْتُ: تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى الْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمْ عَدَمُ فَهْمِ كَلَامِ الْمُسْلِمِينَ كَالْعَكْسِ. وَشَرْطُ انْعِقَادِ الْأَمَانِ أَنْ لَا يَرُدَّهُ الْكَافِرُ؛ لِأَنَّهُ إِيجَابُ حَقٍّ فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الرَّدِّ كَالْبَيْعِ. وَإِنْ قَتَلَهُ، ثُمَّ رَدَّهُ، انْتَقَضَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ فَسَقَطَ بِإِسْقَاطِهِ كَالرِّقِّ.

فَرْعٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلٍ: إِنِّي أَمَّنْتُهُ فِي الْأَصَحِّ كَإِخْبَارِهِمَا أَنَّهُمَا أَمَّنَاهُ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَّهَمَيْنِ كَالْمُرْضِعَةِ عَلَى فِعْلِهَا، وَإِذَا أَمَّنَهُ سَرَى إِلَى مَا مَعَهُ مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: أَمَّنْتُكَ نَفْسَكَ فَقَطْ.

(وَمَنْ جَاءَ بِمُشْرِكٍ: فَادَّعَى أَنَّهُ أَمَّنَهُ، فَأَنْكَرَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ: قَوْلُ الْمُنْكِرِ الْمُسْلِمِ. هَذَا هُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إِبَاحَةُ دَمِ الْحَرْبِيِّ، وَعَدَمُ الْأَمَانِ (وَعَنْهُ: قَوْلُ الْأَسِيرِ) ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّ صِدْقَهُ مُحْتَمَلٌ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ شُبْهَةً فِي حَقْنِ دَمِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>