فَإِنِ انْتَسَبَ إِلَى أَحَدِ الْكِتَابَيْنِ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِلَّا فَلَا. وَمَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ بَعْثِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ لَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
«أَنَّ النَّبِيَّ صَالَحَ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ عَلَى الْجِزْيَةِ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْعَرَبِ» . وَفِي " الْفُنُونِ " لَمْ أَجِدْ أَصْحَابَنَا ذَكَرُوا أَنَّ الْوَثَنِيَّ يُقَرُّ بِجِزْيَةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ رِوَايَةً بِخَطِّ أَبِي سَعْدٍ الْبَرْدَانِيِّ أَنَّ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ يُقَرُّونَ بِجِزْيَةٍ؛ فَيُعْطِي هَذَا أَنَّهُمْ يُقَرُّونَ بِجِزْيَةٍ عَلَى عَمَلِ أَصْنَامٍ يَعْبُدُونَهَا فِي بُيُوتِهِمْ، وَلَمْ يُسْمَعْ بِذَلِكَ فِي سِيرَةٍ مِنْ سِيَرِ السَّلَفِ وَبَعْدِهَا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَخْذَهَا مِنَ الْكُلِّ، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّ عَبْدَةَ الْأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ، لِكَوْنِهِمْ مِنْ رَهْطِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرُفُوا بِهِ، فَلَا يُقَرُّونَ عَلَى غَيْرِ دِينِهِ، وَغَيْرُهُمْ يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَرِقُّ بِالِاسْتِرْقَاقِ كَالْمَجُوسِ. (فَأَمَّا الصَّابِئُ فَيُنْظَرُ فِيهِ، فَإِنِ انْتَسَبَ إِلَى أَحَدِ الْكِتَابَيْنِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ) وَقَالَهُ جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُشَارِكًا لِأَهْلِهِ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ، وَإِنْ سُمُّوا بِاسْمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْمُوَافَقَةَ فِي الدِّينِ تُوجِبُ الْمُوَافَقَةَ فِي الْحُكْمِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ جِنْسٌ مِنَ النَّصَارَى، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهُمْ يَسْبِتُونَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِنْ لَمْ يُنْسَبْ إِلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْفَلَكَ حَيٌّ نَاطِقٌ، وَإِنَّ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ آلِهَةٌ؛ وَحِينَئِذٍ فَهُمْ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ.
(وَمَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ) أَوْ تَمَجَّسَ (بَعْدَ بَعْثِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ كَالْأَصْلِيِّ فِي قَبُولِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقْبَلُهَا مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ. وَلَوِ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ لَسَأَلَ عَنْهُ، وَلَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ، وَعَنْهُ: لَا نَقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامَ أَوِ الْقَتْلَ؛ لِأَنَّهُ بِتَرْكِهِ الدِّينَ الْأَوَّلَ هُوَ مُقِرٌّ بِبُطْلَانِهِ، فَلَا يُقَرُّ عَلَى دِينٍ بَاطِلٍ غَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يُقَرُّ عَلَى غَيْرِ الْمَجُوسِيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّمَجُّسَ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الِانْتِقَالَ إِلَيْهَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ يَكُونُ مِنْ أَهْلِهَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَتَى وَهُوَ عَلَى أَصْلِ الدِّينِ. وَفِي " الْمَذْهَبِ " وَ " التَّرْغِيبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ: قَبْلَ الْبَعْثَةِ بَعْدَ التَّبْدِيلِ كَبَعْدِ الْبِعْثَةِ. وَقَدَّمَ فِي " التَّبْصِرَةِ " وَلَوْ قَبْلَ التَّبْدِيلِ (أَوْ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ لَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا) كَوَلَدِ الْوَثَنِيِّ مِنْ كِتَابِيَّةٍ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ؛ أَصَحُّهُمَا: أَنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ إِذَا اخْتَارَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute