للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبْضِهِ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يُتْلِفَهُ آدَمِيٌّ، فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَبَيْنَ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: رَأَيْتُ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مُجَازَفَةً يَضْرِبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يُؤْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَانَ الطَّعَامُ مُسْتَعْمَلًا يَوْمَئِذٍ غَالِبًا فِيمَا يُؤْكَلُ بِوَزْنٍ، وَالْإِجَارَةُ وَالْهِبَةُ وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ، وَالرَّهْنُ وَلَوْ قَبَضَ ثَمَنَهُ، وَالْحَوَالَةُ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ، فَلَوْ تَقَابَضَاهُ جُزَافًا لِعِلْمِهِمَا قَدْرَهُ، صَحَّ مُطْلَقًا وَيَصِحُّ عِتْقُهُ قَوْلًا وَاحِدًا.

قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: وَالْوَصِيَّةُ بِهِ، وَالْخَلْعُ عَلَيْهِ (وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ) وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ، فَهَذَا يَنْفَسِخُ فِيهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» ، وَالْمُرَادُ بِهِ رِبْحُ مَا بِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ رِبْحَ مَا بِيعَ بَعْدَهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وِفَاقًا.

والثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (إِلَّا أَنْ يُتْلِفَهُ آدَمِيٌّ فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ) وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ (وَبَيْنَ إِمْضَائِهِ وَمُطَالَبَةِ مُتْلِفِهِ بِبَدَلِهِ) أَيْ: بِمِثْلِهِ، إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلَّا بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ كَالْعَيْبِ، وَقَدْ حَصَلَ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُ الْبَائِعَ ضمانه، فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ كَالْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ.

وَقَالَ الْمَجْدُ وَجَمَاعَةٌ: الْوَاجِبُ الْقِيمَةُ.

فَقِيلَ: مُرَادُهُمْ مَا تَقَدَّمَ، وَأَرَادُوا بِالْقِيمَةِ الْبَدَلَ الشَّرْعِيَّ، وَنَصَرَ الْقَاضِي مُوَفِّقُ الدِّينِ الْقِيمَةَ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْمَجْدِ؛ إِذْ هُوَ فِي كَلَامِهِ أَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ وَعِلَلِهِ بِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَا اسْتَقَرَّ عَلَى الْمَالِيَّةِ، فَلِذَلِكَ وَجَبَتِ الْقِيمَةُ وَالْمِثْلِيَّةُ، لَمْ يَسْتَقِرَّ الْمِلْكُ عَلَيْهَا، فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ إِتْلَافَ الْبَائِعِ.

وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ لَا غَيْرَ، كَمَا لَوْ تَلِفَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ التَّلَفَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يُوجَدْ فِيهِ مُقْتَضَى الضَّمَانِ بِخِلَافِ مَا إِذَا أَتْلَفَهُ، فَإِنَّ إِتْلَافَهُ يَقْتَضِي الضَّمَانَ بِالْمِثْلِ، وَحُكْمَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي الضَّمَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>