طَالَبَ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ بِهِ بِالْحُضُورِ مَعَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ إِنْ كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِإِذْنِهِ، أَوْ طَالَبَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ بِإِحْضَارِهِ، وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا كُفِلَ اثْنَانِ بِرَجُلٍ فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَرِيبَةً، أَوْ بَعِيدَةً، فَلَوِ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يُؤْخَذِ الْكَفِيلُ بِالْحَقِّ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَنٌ يُمْكِنُهُ رَدُّهُ (فَإِنْ تَعَذَّرَ إِحْضَارُهُ) ، أَوْ كَانَتِ الْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةً، وَلَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ (ضَمِنَ مَا عَلَيْهِ) وَأُخِذَ بِهِ.
وَذَكَرَ ابْنُ حَمْدَانَ أَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ وَجُهِلَ مَحَلُّهُ لَزِمَهُ مَا عَلَيْهِ انْتَهَى، فَلَوْ أَدَّى مَا لَزِمَهُ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ فِي رُجُوعِهِ عَلَيْهِ كَضَامِنٍ، وَأَنَّهُ لَا يُسَلِّمُهُ إِلَى الْمَكْفُولِ لَهُ، ثُمَّ يَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ بِخِلَافِ مَغْصُوبٍ تَعَذَّرَ إِحْضَارُهُ مَعَ بَقَائِهِ لِامْتِنَاعِ بَيْعِهِ (وَإِذَا طَالَبَ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ بِهِ بِالْحُضُورِ مَعَهُ) لِيُسَلِّمَهُ إِلَى الْمَكْفُولِ لَهُ (لَزِمَهُ ذَلِكَ إِنْ كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِإِذْنِهِ) ، لِأَنَّهُ شَغَلَ ذِمَّتَهُ مِنْ أَجْلِهِ بِإِذْنِهِ فَلَزِمَهُ تَخْلِيصُهَا، كَمَا لَوِ اسْتَعَارَ عَبْدَهُ فَرَهَنَهُ بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ عَلَيْهِ تَخْلِيصَهُ إِذَا طَلَبَهُ سَيِّدُهُ (أَوْ طَالَبَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ بِإِحْضَارِهِ) أَيْ: لَزِمَهُ الْحُضُورُ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، لِأَنَّ حُضُورَهُ حَقٌّ لِلْمَكْفُولِ لَهُ، وَقَدِ اسْتَنَابَ الْكَفِيلَ فِي ذَلِكَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَ لَهُ بِالْوَكَالَةِ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوْ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ، لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ لَمْ يَشْغَلْ ذِمَّتَهُ، وَإِنَّمَا شَغَلَهَا الْكَفِيلُ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَمْ يُوَكِّلْهُ صَاحِبُ الْحَقِّ.
فَرْعٌ: لَوْ قَالَ لِآخَرَ: اضْمَنْ عَنْ فُلَانٍ، أَوِ اكْفُلْ بِفُلَانٍ فَفَعَلَ كَانَ ذَلِكَ لَازِمًا لِمُبَاشِرِ لَا الْآمِرِ فَلَوْ قَالَ: أَعْطِ فُلَانًا كَذَا فَفَعَلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ بِشَيْءٍ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: أَعْطِهِ عَنِّي.
(وَإِذَا كُفِلَ اثْنَانِ بِرَجُلٍ فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا: لَمْ يَبْرَأِ الْآخَرُ) ، لِأَنَّ إِحْدَى الْوَثِيقَتَيْنِ انْحَلَّتِ من غير اسْتِيفَاءً، فَلَمْ تَنْحَلَّ الْأُخْرَى، كَمَا لَوْ أَبْرَأَ أَحَدُهُمَا، أَوِ انْفَكَّ أَحَدُ الرَّهْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ بِخِلَافِ الْمَكْفُولِ بِهِ إِذَا سَلَّمَ نَفْسَهُ، لِأَنَّهُ أَصْلٌ فَيَبْرَآنِ بِبَرَاءَتِهِ، لِأَنَّهُمَا فَرْعَاهُ، وَقِيلَ: يَبْرَأُ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ " النِّهَايَةِ "، كَمَا لَوْ قَضَى الدَّيْنَ أَحَدُ الضَّامِنَيْنِ، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ الْآخَرُ. أَجَابَ فِي " الْفُصُولِ " بِأَنَّ الْوَثِيقَةَ بَرِئَتْ بِقَبْضِ مَا فِيهَا فَلِهَذَا بَرِئَتِ الْأُخْرَى بِخِلَافِ هَذَا، وَقِيلَ: إِنْ كَفَلَاهُ مَعًا، أَوْ وَكَّلَ مِنْهُمَا الْآخَرَ فِي تَسْلِيمِهِ بَرِئَ، وَإِلَّا فَلَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute