وَجْهَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ حَلَفَ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِدَيْنِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الشَّيْخَانِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَنَّهَا إِنْ شَهِدَتْ بِالتَّلَفِ فَطُلِبَ مِنْهُ الْيَمِينُ عَلَى عُسْرَتِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى أَمْرٍ مُحْتَمِلٍ خِلَافَ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ شَهِدَتْ بِالْإِعْسَارِ، فَلَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ الْبَيِّنَةِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ مَتَى تَوَجَّهَ حَبْسُهُ حُبِسَ، وَلَوْ كَانَ أَجِيرًا فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، أَوِ امْرَأَةً مُزَوَّجَةً، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ، وَالزَّوْجِيَّةَ لَا تَمْنَعُ مِنَ الْحَبْسِ إِنْ قِيلَ بِهِ.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَا إِذَا كَانَ الْمُدَّعِي امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، فَإِذَا حُبِسَ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ حُقُوقِهِ عَلَيْهَا شَيْءٌ قَبْلَ الْحَبْسِ بَلْ يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهَا كَحَبْسِهِ فِي دَيْنِ غَيْرِهِ فَلَهُ إِلْزَامُهَا بِمُلَازَمَةِ بَيْتِهِ، فَإِنْ خَافَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ بِلَا إِذْنِهِ فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا حَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ، كَمَا لَوْ سَافَرَ عَنْهَا.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ) أَيْ: لَمْ يَكُنْ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ كَأَرْشِ جِنَايَةٍ، أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ، أَوْ مَهْرٍ، أَوْ عِوَضِ خُلْعٍ، أَوْ ضَمَانٍ، وَلَمْ يُقِرَّ بِالْمَلَاءَةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ (حَلَفَ) أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ (وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ) ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَالِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: الْحَبْسُ عُقُوبَةٌ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ ذَنْبًا يُعَاقَبُ بِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَالِهِ بِخِلَافِ مَنْ عُلِمَ لَهُ مَالٌ، فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُعْلَمَ ذَهَابُهُ.
وَفِي " التَّرْغِيبِ " يُحْبَسُ إِلَى ظُهُورِ إِعْسَارِهِ.
وَفِي " الْبُلْغَةِ " إِلَى أَنْ يَثْبُتَ.
وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ يُحْبَسُ فِي الْحَالَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ.
مَسْأَلَةٌ: يَحْرُمُ أَنْ يُحَلَّفَ مُعْسِرٌ لَا حَقَّ عَلَيْهِ، وَيَتَأَوَّلَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ سُئِلَ عَنْ غَرِيبٍ وَظَنَّ إِعْسَارَهُ شَهِدَ.
فَائِدَةٌ: قَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا عَفَّانُ ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ - مِثْلُهُ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ، فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» . إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ (وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِدَيْنِهِ) أَيِ: الْحَالِّ، وَلَا كَسْبَ لَهُ، وَلَا مَا يُنْفِقُ مِنْهُ غَيْرَهُ، أَوْ خِيفَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ