الْمُفْلِسُ حَيًّا وَلَمْ يَنْقُدْ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا، وَالسِّلْعَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَتْلَفْ بَعْضُهَا وَلَمْ تَتَغَيَّرْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
ثَالِثُهَا: لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ إِذَا كَانَ جَاهِلًا بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، لِأَنَّ الْعَالِمَ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ بِخَرَابِ الذِّمَّةِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى مَعِيبًا يَعْلَمُ عَيْبَهُ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ صَيْدًا، وَالْبَائِعُ مُحْرِمٌ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيهِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ، وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ هَذَا الْحُكْمِ بِالْبَيْعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَوِ اقْتَرَضَ مَالًا، ثُمَّ أَفْلَسَ، وَعَيْنُ الْمَالِ قَائِمَةٌ، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، أَوْ أَصْدَقَ امْرَأَةً عَيْنًا، ثُمَّ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا يَسْقُطُ صَدَاقُهَا إِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَاسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ فِي نِصْفِهِ، وَقَدْ أَفْلَسَتْ وَوَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِوَرَثَةِ الْبَائِعِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُمْ (بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُفْلِسُ حَيًّا) إِلَى أَخْذِهَا، لِمَا رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ، وَلَمْ يَقْبِضِ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» . رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَبُو دَاوُدَ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مُسْنَدًا مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدِيثُ مَالِكٍ أَصَحُّ، فَعَلَى هَذَا: الْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِفَلَسِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَحَجَرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَاتَ، أَوْ مَاتَ، فَتَبَيَّنَ فَلَسُهُ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ عَنِ الْمُفْلِسِ إِلَى الْوَرَثَةِ، أَشَبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ، وَعَنْهُ: لَهُ الرُّجُوعُ لِمَا رَوَى عُمَرُ بْنُ خَلْدَةَ قَالَ: أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَفْلَسَ، فَقَالَ: لأقضين فيكم بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَفْلَسَ، أَوْ مَاتَ فَوَجَدَ رَجُلٌ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْإِسْنَادِ. قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَهَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَ " الْبُلْغَةِ " (وَلَمْ يَنْقُدْ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا) ، وَلَا أُبْرِئَ مِنْ بَعْضِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ نَقَدَ مِنْ ثَمَنِهَا، أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، لِأَنَّ فِي الرُّجُوعِ فِي قِسْطِ مَا بَقِيَ تَبْعِيضًا لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِضْرَارًا لَهُ. لَا يُقَالُ: لَا ضَرَرَ فِيهِ لِكَوْنِ مَالِ الْمُفْلِسِ يُبَاعُ، وَلَا يَبْقَى، لِأَنَّ الضَّرَرَ مُتَحَقِّقٌ مَعَ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ لَا يَرْغَبُ فِيهِ كَالرَّغْبَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute