للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَّا الْقِصَاصَ وَحَدَّ الْقَذْفِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْبَتِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ إِلَّا بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ،

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

بِدَرْئِهَا، وَالتَّوْكِيلُ يُوصِلُ إِلَى الْإِيجَابِ، وَجَوَابُهُ الْخَبَرُ، وَبِأَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا اسْتَنَابَ دَخَلَ فِيهَا الْحُدُودُ، فَإِذَا دَخَلَتْ فِي التَّوْكِيلِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ فَالتَّخْصِيصُ بِدُخُولِهَا أَوْلَى، وَالْوَكِيلُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي دَرْئِهَا بِالشُّبَهَاتِ.

(وَيَجُوزُ الِاسْتِيفَاءُ فِي حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ وَغِيبَتِهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّ مَا جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ فِي حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ جَازَ فِي غَيْبَتِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (إِلَّا الْقِصَاصَ وَحَدَّ الْقَذْفِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْبَتِهِ) ، وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ حَالَ غَيْبَتِهِ فَيَسْقُطَ، وَهَذِهِ شُبْهَةٌ تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ، لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، فَإِذَا حَضَرَ الْمُوَكِّلُ احْتُمِلَ أَنْ يَرْحَمَهُ فَيَعْفُوَ، وَالْمَذْهَبُ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ فِي الْغَيْبَةِ مُطْلَقًا، أَمَّا الزِّنَا وَشِبْهُهُ فَظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ حَتَّى يُدْرَأَ بِالشُّبْهَةِ، وَاحْتِمَالُ الْعَفْوِ فِي غَيْرِهِ بِعِيدٌ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ عَفَا لَأَعْلَمَ وَكِيلَهُ بِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَلَا يُؤَثِّرُ، أَلَا تَرَى أَنَّ قُضَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَحْكُمُونَ فِي الْبِلَادِ وَيُقِيمُونَ الْحُدُودَ الَّتِي تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ مَعَ احْتِمَالِ الْفَسْخِ.

(وَلَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ إِلَّا بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ) نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ، وَلَا تَضَمَّنَهُ إِذْنُهُ لِكَوْنِهِ يَتَوَلَّى مِثْلَهُ، وَلِأَنَّهُ اسْتِئْمَانٌ فِيمَا يُمْكِنُهُ النُّهُوضُ فِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ مَنْ لَا يَأْمَنُهُ عَلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ (وَعَنْهُ: يَجُوزُ) نَقَلَهَا حَنْبَلٌ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ فَمَلَكَهُ نَائِبُهُ كَالْمَالِكِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَالِكَ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ كَيْفَ شَاءَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَهَذَا مَعَ الْإِطْلَاقِ، فَلَوْ نَهَاهُ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّ مَا نَهَاهُ عَنْهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي إِذْنِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوَكِّلْهُ، وَعَكْسُهُ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ، أَوْ قَالَ: اصْنَعْ مَا شِئْتَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ أَذِنَ لَهُ فِيهِ فَكَانَ لَهُ فِعْلُهُ كَالتَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ (وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ، وَالْحَاكِمُ) أَيْ: حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْوَكِيلِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَصَرِّفٌ بِالْإِذْنِ كَالْوَكِيلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>