للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا تَبْطُلُ بِالسُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ، وَالتَّعَدِّي، وَهَلْ تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ وَحُرِّيَّةِ عَبْدِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

انْعَزَلَ بِفِسْقِهِ وَفِسْقِ مُوَكِّلِهِ (وَالْإِغْمَاءِ) ، لِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ، وَكَذَا النَّوْمُ، وَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَ (التَّعَدِّي) أَيْ: تَعَدِّي الْوَكِيلِ كَلُبْسِ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ اقْتَضَتِ الْأَمَانَةَ وَالْإِذْنَ، فَإِذَا زَالَتِ الْأُولَى بِالتَّعَدِّي بَقِيَ الْإِذْنُ بِحَالِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَبْطُلُ بِهِ، لِأَنَّهَا عَقْدُ أَمَانَةٍ فَبَطَلَتْ بِالتَّعَدِّي كَالْوَدِيعَةِ، وَرُدَّ بِالْفَرْقِ، فَإِنَّ الْوَدِيعَةَ مُجَرَّدُ أَمَانَةٍ فَنَافَاهَا التَّعَدِّي بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ، فَإِنَّهَا إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ وَتَضَمَّنَتِ الْأَمَانَةَ وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَصِيرُ ضَامِنًا، فَإِذَا تَصَرَّفَ كَمَا قَالَ مُوَكِّلُهُ، صَحَّ وَبَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَضَمَانِهِ، وَيَصِيرُ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً، فَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا وَظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُزِيلَ لِلضَّمَانِ زَالَ فَعَادَ مَا زَالَ بِهِ (وَهَلْ تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ وَحُرِّيَّةِ عَبْدِهِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ، لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْوَكَالَةِ، فَكَذَا لَا تَمْنَعُ اسْتَدَامَتَهَا كَسَائِرِ الْكُفْرِ وَسَوَاءٌ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَا، وَالثَّانِي: تَبْطُلُ بِهَا إِذَا قُلْنَا يَزُولُ مِلْكُهُ وَيَبْطُلُ تَصَرُّفُهُ، وَالْوَكَالَةُ تَصَرُّفٌ، وَفِي " الْمُغْنِي " إِنْ كَانَتْ مِنَ الْوَكِيلِ لَمْ تَبْطُلْ، لِأَنَّ رِدَّتَهُ لَا تُؤَثِّرُ فِي تَصَرُّفِهِ، وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْمُوَكِّلِ فَوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمُرْتَدِّ فِي مَالِهِ، وَفِي " الشَّرْحِ " إِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَأَمَّا الْوَكِيلُ فِي مَالِهِ فَيَنْبَنِي عَلَى صِحَّةٍ تَصَرُّفِ نَفْسِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ مَوْقُوفٌ فَهِيَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا: يَبْطُلُ تَصَرُّفُهُ بَطَلَتْ، فَإِنْ كَانَتْ حَالَ رَدَّتِهِ فَالْأَوْجُهُ.

الثَّانِيَةُ: إِذَا وَكَّلَ عَبْدَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ لَمْ تَبْطُلْ قَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَصَحَّحَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّ زَوَالَ مِلْكِهِ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْوَكَالَةِ، فَلَا يَمْنَعُ اسْتَدَامَتَهَا وَكَإِبَاقِهِ، وَالثَّانِي: بَلَى، لِأَنَّ تَوْكِيلَ عَبْدِهِ لَيْسَ بِتَوْكِيلٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِخْدَامٌ بِحَقِّ الْمِلْكِ فَيَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا بَاعَهُ، أَوْ وَكَّلَ عَبْدَ غَيْرِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ سَيِّدُهُ، فَلَوِ اشْتَرَاهُ الْمُوَكِّلُ مِنْهُ لَمْ تَبْطُلْ، لِأَنَّ مِلْكَهُ إِيَّاهُ لَا يُنَافِي إِذْنَهُ لَهُ فِي الْبَيْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>