للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرَطَاهُ، فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ وَاتَّجِرْ بِهِ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي فَهُوَ إِبْضَاعٌ، وَإِنْ قَالَ: وَالرِّبْحُ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

وَهُوَ السَّفَرُ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ قَالَ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: ٢٠] وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ ضَرْبِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِسَهْمٍ مِنَ الرِّبْحِ، وَسَمَّاهُ أَهْلُ الْحِجَازِ قِرَاضًا، فَقِيلَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقَطْعِ، يُقَالُ: قَرَضَ الْفَأْرُ الثَّوْبَ أَيْ قَطَعَهُ، فَكَأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ اقْتَطَعَ مِنْهُ قِطْعَةً، وَسَلَّمَهَا إِلَى الْعَامِلِ وَاقْتَطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنْ رِبْحِهَا، وَقِيلَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمُسَاوَاةِ، وَالْمُوَازَنَةِ، يُقَالُ: تَقَارَضَ الشَّاعِرَانِ إِذَا تَوَازَنَا.

وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.

وَرَوَى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَعْطَاهُ مَالَ يَتِيمٍ مُضَارَبَةً يَعْمَلُ بِهِ فِي الْعِرَاقِ، وَرُوِيَ جَوَازُهُ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ مَعَ أَنَّ الْحِكْمَةَ تَقْتَضِيهِ ; لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إِلَيْهَا، فَإِنَّ النَّقْدَيْنِ لَا تُنْمَى إِلَّا بِالتِّجَارَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَمْلِكُهَا يُحْسِنُ التِّجَارَةَ، وَلَا كُلُّ مَنْ يُحْسِنُهَا لَهُ مَالٌ فَشُرِعَتْ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ.

(وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ مَالَهُ إِلَى آخَرَ يَتَّجِرُ فِيهِ) يُشْتَرَطُ فِي الْمَالِ الْمَدْفُوعِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، فَلَوْ دَفَعَ صُبْرَةَ نَقْدٍ، أَوْ أَحَدَ كِيسَيْنِ لَمْ يَصِحَّ، قَوْلُهُ (إِلَى آخَرَ) لَيْسَ شَرْطًا فِيهِ، فَلَوْ دَفَعَهُ إِلَى اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مُضَارَبَةً فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ جَازَ، قَوْلُهُ (يَتَّجِرُ فِيهِ) ظَاهِرٌ (وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ) أَيْ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا تَقْدِيرُ نَصِيبِ الْعَامِلِ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا بِالشَّرْطِ، فَلَوْ قَالَ: خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ سَهْمَ الْعَامِلِ، فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ، وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، فَلَوْ شَرَطَ جُزْءًا مِنَ الرِّبْحِ لَعَبْدِ أَحَدِهِمَا، أَوْ لِعَبْدِهِمَا صَحَّ وَكَانَ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ شَرَطَاهُ لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ لِوَلَدِ أَحَدِهِمَا، أَوِ امْرَأَتِهِ، أَوْ قَرِيبِهِ، وَشَرَطَا عَلَيْهِ عَمَلًا مَعَ الْعَامِلِ صَحَّ، وَكَانَا عَامِلَيْنِ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَكَ الثُّلْثَانِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَ امْرَأَتَكَ نِصْفَهُ (فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ، وَاتَّجِرْ بِهِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي فَهُوَ إِبْضَاعٌ) أَيْ يَصِيرُ جَمِيعُ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِيهِ، فَيَصِيرُ وَكِيلًا مُتَبَرِّعًا ; لِأَنَّهُ قَرَنَ بِهِ حُكْمَ الْإِبْضَاعِ، فَانْصَرَفَ إِلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: وَعَلَيْكَ ضَمَانُهُ، لَمْ يَضْمَنْهُ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>