للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذَا كَانَ الْمُسْتَرْضِعُ مُوسِرًا، وَإِنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إِلَى قَصَّارٍ أَوْ خَيَّاطٍ لِيَعْمَلَاهُ وَلَهُمَا عَادَةٌ بِأُجْرَةٍ صَحَّ وَلَهُمَا ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِدَا عَقْدَ إِجَارَةٍ، وَكَذَلِكَ دُخُولُ الْحَمَّامِ وَالرُّكُوبُ فِي سَفِينَةِ الْمَلَّاحِ، وَتَجُوزُ إِجَارَةُ دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ، وَخِدْمَةُ عَبْدٍ، وَتَزْوِيجُ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

رَسُولَ اللَّهِ مَا يُذْهِبُ عَنِّي مَذَمَّةَ الرَّضَاعِ؟ قَالَ: " الْغُرَّةُ الْعَبْدُ أَوِ الْأَمَةُ» الْمَذَمَّةُ بِكَسْرِ الذَّالِ مِنَ الذِّمَامِ، وَبِفَتْحِهَا مِنَ الذَّمِّ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ حَيَاةِ الْوَلَدِ وَبَقَائِهِ، فَاسْتُحِبَّ لِلْمُوسِرِ جَعْلُ الْجَزَاءِ رَقَبَةً لِتَنَاسُبِ مَا بَيْنَ النِّعْمَةِ وَالشُّكْرِ، وَأَوْجَبَهُ أَبُو بَكْرٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنْ كَانَتِ الْمُرْضِعَةُ أَمَةً سُنَّ إِعْتَاقُهَا ; لِأَنَّهُ تَحْصُلُ بِهِ الْمُجَازَاةُ (وَإِنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إِلَى قَصَّارٍ أَوْ خَيَّاطٍ لِيَعْمَلَاهُ) أَيْ بِالْقَصْرِ أَوِ الْخِيَاطَةِ (وَلَهُمَا عَادَةٌ بِأُجْرَةٍ صَحَّ وَلَهُمَا ذَلِكَ) أَيْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ (وَإِنْ لَمْ يَعْقِدَا عَقْدَ إِجَارَةٍ) لِأَنَّ الْعُرْفَ الْجَارِيَ بِذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ الْقَوْلِ، فَصَارَ كَنَقْدِ الْبَلَدِ، وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ مَنْ عُرِفَ بِأَخْذِهَا، وَهَذَا إِذَا كَانَا مُنْتَصِبَيْنِ لِذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَسْتَحِقَّا أَجْرًا إِلَّا بِعَقْدٍ، أَوْ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، أَوْ تَعْرِيضٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يجر عُرْفٌ يَقُومُ مَقَامَ الْعَقْدِ فَهُوَ كَمَا لَوْ عَمِلَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَ مَتَاعَهُ لِيَبِيعَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، أَوِ اسْتَعْمَلَ حَمَّالًا، أَوْ شَاهِدًا، أَوْ نَحْوَهُ، فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَادَةٌ بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ (وَكَذَلِكَ دُخُولُ الْحَمَّامِ وَالرُّكُوبُ فِي سَفِينَةِ الْمَلَّاحِ) أَيْ يَسْتَحِقَّانِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ بِدُونِ الْعَقْدِ ; لِأَنَّ شَاهِدَ الْحَالِ يَقْتَضِيهِ فَصَارَ كَالتَّعْرِيضِ، وَكَذَا لَوْ حَلَقَ رَأَسَهُ، أَوْ غَسَلَهُ، أَوْ شَرِبَ مِنْهُ مَاءً، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَمَا يُعْطَاهُ الْحَمَّامِيُّ فَهُوَ أُجْرَةُ الْمَكَانِ، وَالسَّطْلِ، وَالْمِئْزَرِ وَيَدْخُلُ الْمَاءُ تَبَعًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الثِّيَابِ إِلَّا أَنْ يَسْتَحْفِظَهُ إِيَّاهَا بِالْقَوْلِ صَرِيحًا، ذَكَرَهُ فِي " التَّلْخِيصِ ".

(وَتَجُوزُ إِجَارَةُ دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ، وَخِدْمَةِ عَبْدٍ، وَتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ) لِقِصَّةِ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ; لِأَنَّهُ جَعَلَ النِّكَاحَ عِوَضَ الْأُجْرَةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْإِجَارَةِ، فَكَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ عَيْنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَنْفَعَةً سَوَاءٌ كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا كَالْأَوَّلِ، أَوْ مُخْتَلِفًا كَالثَّانِي، وَمَنَعَهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُتَّفِقِ دُونَ الْمُخْتَلِفِ كَسُكْنَى دَارٍ بِمَنْفَعَةِ بَهِيمَةٍ ; لِأَنَّ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ عِنْدَهُ يَحْرُمُ فِيهِ النَّسَاءُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>