للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّرْعِ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا، وَإِنْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا وَالزَّرْعُ قَائِمٌ خُيِّرَ بَيْنَ تَرْكِهِ إِلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَتِهِ وَبَيْنَ أَخْذِهِ بِعِوَضِهِ، وَهَلْ ذَلِكَ قِيمَتُهُ أَوْ نَفَقَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

الْبِنَاءِ، وَقِيلَ: كَمَا لَوْ قَلَعَ أَحْجَارًا لَهُ فِيهَا مَدْفُونَةٌ، وَفُصِّلَ فِي " الشَّرْحِ ".

(وَإِنْ زَرَعَ الْأَرْضَ وَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِ الزَّرْعِ) فَهُوَ لِلْغَاصِبِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ (فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا) أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِهَا إِلَى وَقْتِ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى نَفْعَهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ عِوَضُهُ كَمَا لَوِ اسْتَوْفَاهُ بِالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ فَوَجَبَ أَنْ يُضْمَنَ كَالْعَيْنِ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ النَّقْصِ، وَلَوْ لَمْ يَزْرَعْهَا فَنَقَصَتْ لِتَرْكِ الزِّرَاعَةِ كَأَرْضِ الْبَصْرَةِ ضَمِنَ ذَلِكَ، وَرَوَى عَنْهُ حَرْبٌ أَنَّ لَهُ تَمَلُّكَهُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّرْعَ يَنْبُتُ عَلَى مِلْكِ مَالِكِ الْأَرْضِ ابْتِدَاءً، وَقَرَّرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مُوَافَقَتَهُ لِلْقِيَاسِ بِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ مَمْلُوكَيْنِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ يَكُونُ مَمْلُوكًا لِمَالِكِ الْأُمِّ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِمَا، وَبُطُونُ الْأُمَّهَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ، وَمَاءُ الْفُحُولِ بِمَنْزِلَةِ الْبَذْرِ، وَالْمَذْهَبُ هُوَ الْأَوَّلُ (وَإِنْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا وَالزَّرْعُ قَائِمٌ) فِيهَا (خُيِّرَ بَيْنَ تَرْكِهِ إِلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَتِهِ) أَيْ بِأُجْرَةِ (مِثْلِهِ) ، وَأَرْشِ نَقْصِ الْأَرْضِ (وَبَيْنَ أَخْذِهِ بِعِوَضِهِ) هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَالشَّيْخَيْنِ.

وَجُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْصُلُ بِهِ غَرَضُهُ، فَمَلَكَ الْخِيَرَةَ بَيْنَهُمَا تَحْصِيلًا لِغَرَضِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِجْبَارَ الْغَاصِبِ عَلَى قَلْعِهِ، خِلَافًا لِأَكْثَرِهِمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» ، وَلِأَنَّهُ زَرَعَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ ظُلْمًا أَشْبَهَ الْغَرْسَ، لَنَا مَا رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَلَهُ نَفَقَتُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إِلَى مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ إِتْلَافِ مَالِ الْغَاصِبِ عَلَى قُرْبٍ مِنَ الزَّمَانِ فَلَمْ يَجُزْ إِتْلَافُهُ، كَمَا لَوْ غَصَبَ سَفِينَةً فَحَمَلَ فِيهَا مَتَاعَهُ، فَأَدْخَلَهَا لُجَّةَ الْبَحْرِ، لَا يُجْبَرُ عَلَى إِلْقَائِهِ، فَكَذَا هُنَا صِيَانَةً لِلْمَالِ عَنِ التَّلَفِ، وَفَارَقَ الشَّجَرَ لِطُولِ مُدَّتِهِ، وَحَدِيثُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، وَحَدِيثُنَا عَلَى الزَّرْعِ، وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّهُ زَرْعٌ حَصَلَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَلْعِهِ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ مُسْتَعَارَةً، أَوْ مَشْفُوعَةً (وَهَلْ ذَلِكَ قِيمَتُهُ أَوْ نَفَقَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ قِيمَتُهُ، صَحَّحَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الزَّرْعِ، فَيُقَدَّرُ بِقِيمَتِهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، وَعَلَيْهِ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ أَجْرُ الْأَرْضِ إِلَى حِينِ تَسْلِيمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>