للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَمَنْ فَعَلَهُ بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُ الْجُعْلُ اسْتَحَقَّهُ، وَإِنْ فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ فَهُوَ بَيْنَهُمْ، وَمَنْ فَعَلَهُ قَبْلَ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

وَأَصْلُهَا قَوْله تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: ٧٢] وَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ كَالْوَسْقِ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا، مَا لَمْ يَكُنْ فِي شَرْعِنَا مَا يُخَالِفُهُ، وَحَدِيثُ اللَّدِيغِ شَاهِدٌ بِذَلِكَ، مَعَ أَنَّ الْحِكْمَةَ تَقْتَضِيهِ، وَالْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَدْ لَا يُوجَدُ مُتَبَرِّعٌ فَاقْتَضَتْ جَوَازَ ذَلِكَ.

(وَهِيَ أَنْ يَقُولَ) الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ (مَنْ رَدَّ عَبْدِي، أَوْ لُقَطَتِي، أَوْ بَنَى لِي هَذَا الْحَائِطَ) وَكَذَا سَائِرُ مَا يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَعْمَالِ (فَلَهُ كَذَا) وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ دِينَارٍ أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَإِلَّا فَلَهُ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وَتَكُونُ عَقْدًا جَائِزًا، لِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ فِيهِ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي يَدِهِ، فَلَوْ كَانَتِ اللُّقَطَةُ فِي يَدِهِ، فَجَعَلَ لَهُ مَالِكُهَا جُعْلًا لِيَرُدَّهَا، لَمْ يُبَحْ لَهُ أَخْذُهُ (فَمَنْ فَعَلَهُ بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُ الْجُعْلُ اسْتَحَقَّهُ) لِأَنَّ الْعَقْدَ اسْتَقَرَّ بِتَمَامِ الْعَمَلِ، فَاسْتَحَقَّ الْجُعْلَ كَالرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَفِي أَثْنَائِهِ يَسْتَحِقُّ حِصَّةَ تَمَامِهِ (وَإِنْ فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ فَهُوَ بَيْنَهُمْ) بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمُ اشْتَرَكُوا فِي الْعَمَلِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِوَضَ، فَاشْتَرَكُوا فِيهِ كَالْأَجْرِ فِي الْإِجَارَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ هَذَا النَّقْبَ فَلَهُ دِينَارٌ، فَدَخَلَهُ جَمَاعَةٌ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِينَارًا كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ دُخُولًا كَامِلًا، وَهُنَا لَمْ يَرُدَّهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَامِلًا، وَمِثْلُهُ مَنْ نَقَبَ السُّورَ فَلَهُ دِينَارٌ، فَنَقَبَ ثَلَاثَةٌ نَقْبًا وَاحِدًا، فَلَوْ جَعَلَ لِوَاحِدٍ فِي رَدِّهِ دِينَارًا، وَلِآخَرَ دِينَارَيْنِ، وَالثَّالِثِ ثَلَاثَةً، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلْثُ مَا جُعِلَ لَهُ فِي رَدِّهِ، فَلَوْ جَعَلَ لِوَاحِدٍ دِينَارًا، وَلِآخَرِينَ عِوَضًا مَجْهُولًا فَرَدُّوهُ، فَلِصَاحِبِ الدِّينَارِ ثُلُثُهُ، وَلِلْآخَرِينَ أُجْرَةُ عَمَلِهِمَا، فَإِنْ جَعَلَ لَهُ جُعْلًا فِي رَدِّهِ فَرَدَّهُ هُوَ وَآخَرَانِ مَعَهُ، وَقَالَا: رَدَدْنَاهُ مُعَاوَنَةً لَهُ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْجُعْلِ، وَإِنْ قَالَا: رَدَدْنَاهُ لِنَأْخُذَ الْعِوَضَ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا، وَلَهُ ثُلْثُ الْجُعْلِ.

فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي مِنْ مَوْضِعِ كَذَا، فَرَدَّهُ مِنْ نِصْفِ الطَّرِيقِ، أَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدَيَّ، فَرَدَّ أَحَدَهُمَا، فَنَصِفُهُ، وَإِنْ رَدَّهُ مِنْ أَبْعَدَ فَلَهُ الْمُسَمَّى، ذَكَرَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَإِنْ رَدَّهُ مِنْ غَيْرِ الْمَوْضِعِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " كَهُرُوبِهِ مِنْهُ فِي نِصْفِ الطَّرِيقِ أَوْ مَوْتِهِ.

(وَمَنْ فَعَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ: قَبْلَ بُلُوغِ الْجُعْلِ (لَمْ يَسْتَحِقَّهُ) لِأَنَّ فِعْلَهُ وَقَعَ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ، وَلِأَنَّهُ بَدَّلَ مَنَافِعَهُ جُعِلَ لَهُ، فَيَكُونُ عَامِلًا فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>