للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلْحَقَتْهُ بِأَحَدِهِمَا لَحِقَ بِهِ، وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِمَا لَحِقَ بِهِمَا، وَلَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ أُمٍّ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

مَبْنِيٌّ عَلَى الشَّبَهِ وَالظَّنِّ، فَإِنَّ الشَّبَهَ يُوجَدُ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَيَنْتَفِي بَيْنَ الْأَقَارِبِ، وَبِدَلِيلِ الرَّجُلِ الَّذِي وُلِدَ لَهُ غُلَامٌ أَسْوَدُ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ» وَلَوْ كَانَ الشَّبَهُ كَافِيًا لَاكْتَفَى بِهِ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ، وَحُجَّتُنَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهَا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ نَظَرَ آنِفًا إِلَى زَيْدٍ وَأُسَامَةَ، وَقَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» . وَقَضَى بِهِ عُمَرُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ إِجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّهُ يُرْجَعُ لِقَوْلِهَا كَالْبَيِّنَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ: «لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» . فَحَكَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهِ لِلَّذِي أَشْبَهَهُ مِنْهُمَا، وَحِينَئِذٍ فَإِنِ انْتَفَى الْمَانِعُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ، (وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِمَا لَحِقَ بِهِمَا) ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُمَرَ، فِي امْرَأَةٍ وَطِئَهَا رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ، فَقَالَ الْقَائِفُ: قَدِ اشْتَرَكَا فِيهِ جَمِيعًا، فَجَعَلَهُ بَيْنَهُمَا، وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: وَعَلِيٌّ يَقُولُ: هُوَ ابْنُهُمَا، وَهُمَا أَبَوَاهُ يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ. وَرَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ عُمَرَ، فَعَلَى هَذَا يَرِثُهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ، وَيَرِثَانِهِ جَمِيعًا مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ إِرْثُ أَبٍ كَامِلٍ، وَنَسَبُهُ مِنَ الْأَوَّلِ قَائِمٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّ الْجَدَّةَ إِذَا انْفَرَدَتْ، أَخَذَتْ مَا تَأْخُذُهُ الْجَدَّاتُ، وَالزَّوْجَةُ كَالزَّوْجَاتِ.

فَرْعٌ: إِذَا أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِكَافِرٍ أَوْ أَمَةٍ لَمْ يُحْكَمْ بِرِقِّهِ وَلَا كُفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ إِسْلَامُهُ وَحُرِّيَّتُهُ بِظَاهِرِ الدَّارِ، فَلَا يَزُولُ ذَلِكَ بِظَنٍّ وَلَا شُبْهَةٍ.

(وَلَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ) ، يَعْنِي إِذَا ادَّعَتِ امْرَأَتَانِ نَسَبَ اللَّقِيطِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَبُولِ الدَّعْوَى مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا مِمَّنْ تُقْبَلُ دَعْوَاهَا دُونَ الْأُخْرَى فَهُوَ ابْنُهَا، كَالْمُنْفَرِدَةِ، وَإِنْ كَانَتَا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُمَا فَوُجُودُهُمَا كَعَدَمِهِمَا، وَإِنْ كَانَتَا جَمِيعًا مِمَّنْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُمَا فَهُمَا كَالرَّجُلَيْنِ، لَكِنْ لَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِأُمَّيْنِ سَقَطَ قَوْلُهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>