للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرْقَبْتُكَهَا، أَوْ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ أَوْ حَيَاتَكَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَتَكُونُ لِلْمُعْمَرِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

الْمِرْقَبُ، وَقَدْ نَهَى عَنْهُ، وَالْفَاعِلُ مِنْهُمَا مُعْمَرٌ، وَمِرْقِبٌ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْقَافِ - وَالْمَفْعُولُ بِفَتْحِهِمَا، وَقَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ: يُقَالُ: أَعْمَرْتُهُ الدَّارَ أَيْ جَعَلْتُهَا لَهُ يَسْكُنُهَا مُدَّةَ عُمْرِهِ فَإِذَا مَاتَ عَادَتْ إِلَيَّ، كَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَبْطَلَ ذَلِكَ الشَّرْعُ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ مَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا أَوْ أَرْقَبَهُ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ (أَوْ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ) أَوْ عُمْرِي (أَوْ حَيَاتَكَ) أَوْ مَا بَقِيتُ (فَإِنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ وَهُوَ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى (يَصِحُّ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ ضِدُّهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تُعْمِرُوا وَلَا تُرْقِبُوا» ، هَذَا نَهْيٌ وَهُوَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَجَوَابُهُ مَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا، وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّهْيُ وَرَدَ عَلَى وَجْهِ الْإِعْلَامِ لَهُمْ أَنَّكُمْ إِنْ أَعْمَرْتُمْ أَوْ أَرْقَبْتُمْ نَفَذَ لِلْمُعْمَرِ وَالْمِرْقِبِ وَلَمْ يَعُدْ إِلَيْكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِمَنْ أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا، وَلِعَقِبِهِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ حَقِيقَةً لَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهُ كَطَلَاقِ الْحَائِضِ، وَصِحَّةُ الْعُمْرَى ضَرَرٌ عَلَى الْمُعْمَرِ، فَإِنْ مِلْكَهُ يَزُولُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، (وَتَكُونُ لِلْمُعْمَرِ) - بِفْتَحِ الْمِيمِ - مِلْكًا فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي " الْمُوَطَّأِ ". (وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ) ؛ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْعُمْرَى لِلْوَارِثِ» ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ الْمُسْتَقِرَّةَ كُلَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِحَيَاةِ الْمَالِكِ، وَتَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ، فَلَمْ يَكُنْ تَقْدِيرُهُ بِحَيَاتِهِ مُنَافِيًا لِحُكْمِ الْأَمْلَاكِ، فَإِنْ عُدِمُوا فَلِبَيْتِ الْمَالِ دُونَ رَبِّهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا أَضَافَهَا إِلَى عُمْرِ غَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، وَعَنْهُ: يَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْمَرِ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>