الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ كُلُّهُ غَيْرَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ زَمَانًا قُوِّمَ وَقْتَ الْمَوْتِ، لَا وَقْتَ الْأَخْذِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى الْمُعَيَّنِ إِلَّا مَالٌ غَائِبٌ أَوْ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ مُوسِرٍ أَوْ مُعْسِرٍ، فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمُوصَى بِهِ، وَكُلَّمَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْمُعَيَّنَ، فَإِذَا ذَهَبَ، زَالَ حَقُّهُ، كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ، وَالتَّرِكَةُ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي أَيْدِيهِمْ بِغَيْرِ فِعْلِهِمْ، وَلَا تَفْرِيطَ مِنْهُمْ، فَلَمْ يَضْمَنُوا شَيْئًا (وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ كُلُّهُ غَيْرَهُ) أَيْ: غَيْرَ الْمُعَيَّنِ (بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّ حُقُوقَ الْوَرَثَةِ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ، لِتَعَيُّنِهِ لِلْمُوصَى لَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَخْذَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ، فَتَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ دُونَ سَائِرِ مَالِهِ، قَالَ أَحْمَدُ: فِيمَنْ خَلَّفَ مِائَتَيْ دِينَارٍ وَعَبْدًا - قِيمَتُهُ مِائَةُ دِينَارٍ - وَوَصَّى لِرَجُلٍ بِالْعَبْدِ، فَسُرِقَتِ الدَّنَانِيرُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَالْعَبْدُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَفِي الرِّعَايَةِ: إِنْ تَلِفَتِ التَّرِكَةُ قَبْلَ الْقَبُولِ غَيْرَ الْمُوصَى بِهِ مُعَيَّنًا، فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُهُ، إِنْ مَلَكَهُ عِنْدَ الْقَبُولِ، وَإِلَّا كُلُّهُ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ كَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ قَدْرُ الثُّلُثِ أَوْ أَقَلُّ، وَإِلَّا مَلَكَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ.
(وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ زَمَانًا قُوِّمَ وَقْتَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي قِيمَةِ الْوَصِيَّةِ بِخُرُوجِهَا مِنَ الثُّلُثِ، وَعَدَمِ خُرُوجِهَا بِحَالَةِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا حَالَةُ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمَالِ فِيهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (لَا وَقْتَ الْأَخْذِ) هُوَ تَأْكِيدٌ فَيُنْظَرُ كَمْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَ ثُلُثَ التَّرِكَةِ أَوْ دُونَهُ اسْتَحَقَّهُ الْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى صَارَ مِثْلَ الْمَالِ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ هَلَكَ الْمَالُ سِوَاهُ اخْتَصَّ بِهِ، وَلَا شَيْءَ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ حِينَ الْمَوْتِ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ، فَلِلْمُوصَى لَهُ قَدْرُ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ نِصْفَ الْمَالِ فَلَهُ ثُلُثَاهُ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثَهُ فَلَهُ نِصْفُهُ، وَإِنْ كَانَ نِصْفَ الْمَالِ وَثُلُثَهُ، فَلَهُ خُمْسَاهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِالزِّيَادَةِ أَوِ النُّقْصَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِ عَبْدٍ، قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَلَهُ مِائَتَانِ، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَصَارَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ، فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ حِينَ الْمَوْتِ مِائَتَيْنِ، فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثَاهُ؛ لِأَنَّهُمَا ثُلُثُ الْمَالِ، وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَصَارَتْ مِائَةً، لَمْ يَزِدْ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ إِلَّا بِالْإِجَازَةِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَرْبَعَمِائَةٍ، فَلِلْمُوصَى لَهُ النِّصْفُ، لَا يُزَادُ حَقُّهُ عَنْ ذَلِكَ، سَوَاءٌ نَقَصَ الْعَبْدُ أَوْ زَادَ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى الْمُعَيَّنِ إِلَّا مَالٌ غَائِبٌ أَوْ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ مُوسِرٍ أَوْ مُعْسِرٍ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمُوصَى بِهِ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الثُّلُثِ مُتَيَقَّنٌ، فَوَجَبَ تَسْلِيمُ ثُلُثِ الْمُعَيَّنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute