للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَرِثُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، إِنِ اتَّفَقَتْ أَدْيَانُهُمْ وَهُمْ ثَلَاثُ مِلَلٍ: الْيَهُودِيَّةُ،

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

لِثُبُوتِهِ (وَعَنْهُ: لَا يَرِثُ) نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ، وَصَحَّحَهَا جَمَاعَةٌ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» الْخَبَرَ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ قَدِ انْتَقَلَ عَنْهُ بِالْمَوْتِ، فَلَمْ يُشَارِكْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ كَمَا لَوِ اقْتَسَمُوا، أَوْ كَانَ رَقِيقًا، فَأُعْتِقَ، فَعَلَيْهَا يَرِثُ عَصَبَةَ سَيِّدِهِ الْمُوَافِقِ لِدِينِهِ، وَوَرَّثَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْمُسْلِمَ مِنْ ذَمِّيٍّ؛ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ قَرِيبُهُ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَلِوُجُوبِ نَصْرِهِمْ، وَلَا يَنْصُرُونَنَا.

(وَإِنْ عَتَقَ عَبْدٌ بَعْدَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ، وَقَبْلَ الْقَسْمِ، لَمْ يَرِثْ وَجْهًا وَاحِدًا) نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ، وَقَالَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَنَعَهُ مُطْلَقًا، خَرَجَ مِنْهُ مَا سَبَقَ، فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ، وَعَنْهُ: يَرِثُ، ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، كَمَنْ أَسْلَمَ، وَقَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَمَكْحُولٌ، وَقَتَادَةُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَالْمَذْهَبُ تَوْرِيثُ مَنْ أَسْلَمَ، لَا مَنْ عَتَقَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْظَمُ الطَّاعَاتِ وَالْقُرَبِ، وَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّأْلِيفِ عَلَيْهِ، فَوَرَدَ الشَّرْعُ بِتَوْرِيثِهِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْعِتْقِ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا مَا وَرَدَ مِنَ الْأَثَرِ فِي تَوْرِيثِ مَنْ أَسْلَمَ، لَكَانَ النَّظَرُ أَنْ لَا يَرِثَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ حِينَ الْمَوْتِ.

فَرْعٌ: لَوْ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ، فَدَبَّرَهُ، يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ، وَلَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ حِينَ الْمَوْتِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ فِي آخِرِ حَيَاتِي عَتَقَ، وَوَرِثَ فِي الْأَصَحِّ لِحُرِّيَّتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ.

(وَيَرِثُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِنِ اتَّفَقَتْ أَدْيَانُهُمْ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الْإِرْثِ اخْتِلَافُ الدِّينِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ، لَكِنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ فِي ذَلِكَ، لِمَفْهُومِ حَدِيثِ أُسَامَةَ (وَهُمْ ثَلَاثُ مِلَلٍ) هَذَا رِوَايَةُ (الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ كِتَابٌ، وَأَحْكَامٌ وَشَرَائِعُ غَيْرُ الْأُخْرَى (وَدِينُ سَائِرِهِمْ) أَيْ: بَاقِيهِمْ كَالْمَجُوسِ وَعَبَدَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>