سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ، صَغِيرًا كَانَ الْقَاتِلُ أَوْ كَبِيرًا، وَمَا لَا يُضْمَنُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَيْسَ لِقَاتِلٍ مِيرَاثٌ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا، صَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْفَرَائِضِ، وَنَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّهُ لَوْ وَرِثَ الْقَاتِلُ، لَمْ يُأْمَنْ مِنْ دَاعِرٍ مُسْتَعْجِلٍ الْإِرْثَ أَنْ يَقْتُلَ مُورِّثَهُ، فَيَفْنَى الْعَالَمُ، فَاقْتَضَتِ الْمَصْلَحَةُ حِرْمَانَهُ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ قَطْعُ الْمُوَالَاةِ، وَهِيَ سَبَبُ الْإِرْثِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمَقْتُولَ يَرِثُ مِنْ قَاتِلِهُ مِثْلَ أَنْ يَجْرَحَ مُوَرِّثَهُ، ثُمَّ يَمُوتَ قَبْلَ الْمَجْرُوحِ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ، وَسَوَاءٌ انْفَرَدَ بِهِ أَوْ شَارَكَ غَيْرَهُ، فَلَوْ شَهِدَ عَلَى مُوَرِّثِهِ مَعَ جَمَاعَةٍ ظُلْمًا بِقَتْلٍ لَمْ يَرِثْهُ (سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا) بِالْإِجْمَاعِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَابْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُمَا وَرَّثَاهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ تَنَاوَلَتْهُ بِعُمُومِهَا، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا، وَلَا تَعْوِيلَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ لِشُذُوذِهِ، وَقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِهِ، فَإِنَّ عُمَرَ أَعْطَى دِيَةَ ابْنِ قَتَادَةَ الْمَذْحِجِيِّ لِأَخِيهِ دُونَ أَبِيهِ، وَكَانَ حَذَفَهُ بِسَيْفٍ فَقَتَلَهُ، وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ الْوَارِثَ رُبَّمَا اسْتَعْجَلَ مَوْتَ مُوَرِّثِهِ لِيَأْخُذَ مَالَهُ، كَمَا فَعَلَ الْإِسْرَائِيلِيُّ الَّذِي قَتَلَ ابْنَ عَمِّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ قِصَّةَ الْبَقَرَةِ (أَوْ خَطَأً) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ: أَنَّهُ يَرِثُ مِنَ الْمَالِ دُونَ الدِّيَةِ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةُ تُخَصِّصُ قَاتِلَ الْعَمْدِ، فَوَجَبَ الْبَقَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ فِيمَا سِوَاهُ.
وَأُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا يَرِثُ مِنَ الدِّيَةِ لَا يَرِثُ مِنْ غَيْرِهَا كَقَاتِلِ الْعَمْدِ، وَالْمُخَالِفِ فِي الدِّينِ، سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَطَلَبًا لِلتَّحَرُّزِ عَنْهُ، لَكِنْ ذَكَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute