للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ إِذَا ابْتَغَاهَا بقيمته مِنْ سَيِّدِهِ، أُجْبِرَ عَلَيْهَا، وَهَلْ تُكْرَهُ كِتَابَةُ مَنْ لَا كَسْبَ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَلَا تَصِحُّ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَإِنْ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا إِلَى أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ ; لِأَنَّ النُّجُومَ هِيَ الْأَوْقَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ، إِذِ الْعَرَبُ كَانَتْ لَا تَعْرِفُ الْحِسَابَ، وَإِنَّمَا تَعْرِفُ الْأَوْقَاتَ بِطُلُوعِ النُّجُومِ، فَسُمِّيَتِ الْأَوْقَاتُ نُجُومًا، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:

إِذَا سُهَيْلٌ أَوَّلَ اللَّيْلِ طَلَعْ ... فَابْنُ اللَّبُونِ الْحِقُّ وَالْحِقُّ الْجَذَعْ

(وَهِيَ بَيْعُ الْعَبْدِ) لَوْ قَالَ: الرَّقِيقُ لَعَمَّ (نَفْسَهُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ) هَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَى الْكِتَابَةِ شَرْعًا، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا مَعْلُومًا، يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ، مُنَجَّمًا يُعْلَمُ قِسْطُ كُلِّ نَجْمٍ وَمُدَّتُهُ أَوْ مَنْفَعَتُهُ مُؤَجَّلَةً، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَعَانَ غَارِمًا أَوْ غَازِيًا أَوْ مُكَاتَبًا فِي كِتَابَتِهِ، أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» رَوَاهُ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، فَإِذَا كَاتَبَ رَقِيقَهُ وَلَهُ مَالٌ، فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُكَاتَبُ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَعَنْهُ لِلرَّقِيقِ (وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لِمَنْ يَعْلَمُ فِيهِ خَيْرًا) لِلنَّصِّ (وَهُوَ الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَأَسْقَطَ الْأَمَانَةَ فِي الْوَاضِحِ وَالْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ إِذَا ابْتَغَاهَا بِقِيمَتِهِ مِنْ سَيِّدِهِ) (أُجْبِرَ عَلَيْهَا) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، ذكره الحلواني، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: أَنَّ أَبَاهُ سِيرِينَ كَانَ عَبْدًا لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَأَخْبَرَ سِيرِينُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَرَفَعَ الدِّرَّةَ عَلَيْهِ، وَقَرَأَ الْآيَةَ، فَكَاتَبَهُ أَنَسٌ، وَقَدَّمَ فِي الرَّوْضَةِ الْإِبَاحَةَ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّهُ إِعْتَاقٌ بِعُوَضٍ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَالِاسْتِسْعَاءِ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ، وَقَوْلُ عُمَرَ يُخَالِفُهُ فِعْلُ أَنَسٍ، قَالَ أَحْمَدُ: الْخَيْرُ صِدْقٌ وَصَلَاحٌ وَوَفَاءٌ بِمَالِ الْكِتَابَةِ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>