كَاتَبَ الْمُمَيِّزُ عَبْدَهُ بِإِذْنِ وَلَيِّهِ، صَحَّ، وَيُحْتَمَلُ أَلا يَصِحَّ، وَإِنْ كَاتَبَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْمُمَيِّزَ، وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِالْقَوْلِ، وَتَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ: كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قُوَّةٌ عَلَى الْكَسْبِ وَالْأَمَانَةِ، وَفَسَّرَهُ بِهِ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: غِنَاءٌ وَإِعْطَاءٌ لِلْمَالِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ لَا تَجِبُ إِجَابَتُهُ (وَهَلْ تُكْرَهُ كِتَابَةُ مَنْ لَا كَسْبَ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا - وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْمَذْهَبُ -: أَنَّهَا تُكْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَمَسْرُوقٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ ; لِأَنَّ فِيهَا إِضْرَارًا بِالْمُسْلِمِينَ، وَجَعْلَهُ كَلًّا وَعِيَالًا عَلَيْهِمْ، مَعَ تَفْوِيتِ نَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ عَلَى سَيِّدِهِ.
وَالثَّانِيَةُ - وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ -: لَا تُكْرَهُ ; لِأَنَّ بَرِيرَةَ كَاتَبَتْ وَلَا حِرْفَةَ لَهَا، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: إِنْ كَانَ يَجِدُ مَنْ يَكْفِيَهُ مَؤُونَتَهُ، لَمْ تُكْرَهْ، وَإِلَّا كُرِهَتْ، لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةٍ أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا كَانَتْ لَا كَسْبَ لَهَا، فَإِنَّهَا تُكْرَهُ لَهَا إِجْمَاعًا (وَلَا تَصِحُّ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ كَالْبَيْعِ (وَإِنْ كَاتَبَ الْمُمَيِّزُ عَبْدَهُ بِإِذْنِ وَلَيِّهِ، صَحَّ) لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُمَيِّزِ بِإِذْنِ وَلَيِّهِ صَحِيحٌ فِي غَيْرِ الْكِتَابَةِ، فَكَذَا فِيهَا (وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَصِحَّ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، كَالْمَجْنُونِ، وَبَنَاهُ فِي الشَّرْحِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِإِذْنِ وَلَيِّهِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إِعْتَاقٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ، كَالْعِتْقِ بِغَيْرِ مَالٍ، وَكَمَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ إِذَنِ وَلَيِّهِ، وَإِنْ كَاتَبَ الْمُكَلَّفُ عَبْدَهُ الطِّفْلَ أَوِ الْمَجْنُونَ، لَمْ يَصِحَّ، لَكِنْ إِذَا قَالَ: إِذَا أَدَّيْتُمَا إِلَيَّ فَأَنْتُمَا حُرَّانِ، عُتِقَا بِالْأَدَاءِ صِفَةً لَا كِتَابَةً، وَمَا فِي أَيْدِيهِمَا لِسَيِّدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ، فَوَجْهَانِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي الْعِتْقَ (وَإِنْ كَاتَبَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْمُمَيِّزَ، صَحَّ) لِأَنَّهُ مُمَيِّزٌ، وَالْمَصْلَحَةُ لَهُ فِي الْعِتْقِ بِخَلَاصِهِ مِنَ الرِّقِّ، كَالْبَالِغِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute