للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَرِيَّةَ وَالصِّنَاعَةَ وَالْيَسَارَ مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ، فَلَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ بِعَبْدٍ، وَلَا بِنْتُ بَزَّازٍ بِحَجَّامٍ، وَلَا بِنْتُ تَانِئٍ بِحَائِكٍ، وَلَا مُوسِرَةٌ بِمُعْسِرٍ.

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

تَقِيُّ الدِّينِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمَنْصُوصُ عَنْهُ - كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي - أَنَّ قُرَيْشًا بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ أَكْفَاءٌ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَنْ قَالَ: الْهَاشِمِيَّةُ لَا تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ هَاشِمِيٍّ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَارِقٌ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ; إِذْ نَصُّهُ: تَزْوِيجُ الْهَاشِمِيَّاتِ مِنْ بَنَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِنَّ بِغَيْرِ الْهَاشِمِيِّينَ - ثَابِتٌ فِي السُّنَّةِ ثُبُوتًا لَا يَخْفَى.

(وَعَنْهُ: أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالصِّنَاعَةَ وَالْيَسَارَ مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ) أَيْ: مَعَ الدِّينِ وَالنَّسَبِ، فَتَكُونُ خَمْسَةً، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ "، وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ، وَصَحَّحَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْيَسَارِ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ ; فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ بَرِيرَةَ حِينَ عُتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ، وَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الِاسْتِدَامَةِ فَفِي الِابْتِدَاءِ أَوْلَى ; وَلِأَنَّ الرِّقَّ نَقْصُهُ كَثِيرٌ وَضَرَرُهُ بَيِّنٌ ; فَإِنَّهُ مَشْغُولٌ عَنِ امْرَأَتِهِ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ، وَلَا يُنْفِقُ نَفَقَةَ الْمُوسِرِينَ وَلَا عَلَى وَلَدِهِ، وَأَمَّا الصِّنَاعَةُ ; فَلِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ أَشْبَهَ نَقْصَ النَّسَبِ، وَقَدْ رُوِيَ: «الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ، قَبِيلَةٌ لِقَبِيلَةٍ، وَحَيٌّ لِحَيٍّ، وَرَجُلٌ لِرَجُلٍ، إِلَّا حَائِكٌ أَوْ حَجَّامٌ» ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " التَّمْهِيدِ "، وَذَكَرَ أَنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ لَمَّا سَأَلَهُ مُهَنَّا، وَأَمَّا الْيَسَارُ ; فَلِأَنَّ فِي عُرْفِ النَّاسِ التَّفَاضُلَ فِي ذَلِكَ ; وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ حِينَ أَخْبَرَتْهُ بِخُطَّابِهَا، فَقَالَ لَهَا: «أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ» ; وَلِأَنَّ عَلَى الْمُوسِرَةِ ضَرَرًا فِي إِعْسَارِ زَوْجِهَا ; لِإِخْلَالِهِ بِنَفَقَتِهَا وَنَفَقَةِ وَلَدِهَا (فَلَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ بِعَبْدٍ) لِانْتِفَاءِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ، وَلَا بِمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ مَسَّهُ أَوْ مَسَّ آبَاءَهُ الرِّقُّ، هَلْ يَكُونُ كُفْء الحُرَّةِ الْأَصْلِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ (وَلَا بِنْتُ بَزَّازٍ) بَيَّاعُ الْبَزِّ (بِحَجَّامٍ) ; لِانْتِفَاءِ الِاسْتِوَاءِ فِي الصَّنْعَةِ (وَلَا بِنْتُ تَانِئٍ) بِالْهَمْزِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَهُوَ صَاحِبُ الْعَقَارِ وَالْمَالِ (بِحَائِكٍ) ; لِانْتِفَاءِ الْيَسَارِ، وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ كَثْرَةُ الْمَالِ، فَالْعِبْرَةُ بِالْغَالِبِ (وَلَا مُوسِرَةٌ بِمُعْسِرٍ) وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ مُتَوَلِّيًا، وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>