تَأْذَنَ الْمَرْأَةُ لِوَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ، وَتَفْوِيضُ الْمَهْرِ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى مَا شَاءَتْ أَوْ شَاءَ أَجْنَبِيٌّ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَالنِّكَاحٌ صَحِيحٌ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ، وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِفَرْضِهِ، فَإِنْ فَرْضَهُ الْحَاكِمُ لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِمِقْدَارِهِ، وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى فَرْضِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(عَلَى ضَرْبَيْنِ: تَفْوِيضُ الْبُضْعِ) وَهُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ إِطْلَاقُ التَّفْوِيضِ إِلَيْهِ (وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ، أَوْ تَأْذَنَ الْمَرْأَةُ لِوَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا بِلا مَهْرٍ) أَوْ مُطْلَقًا، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " فعلم مِنْهُ أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ صَدَاقٍ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: ٢٣٦] ؛ وَلِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسَيَأْتِي؛ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ النِّكَاحِ الْوُصْلَةُ وَالِاسْتِمْتَاعُ دُونَ الصَّدَاقِ، فَصَحَّ ذِكْرُهُ كَالنَّفَقَةِ، وَسَوَاءٌ شَرَطَا نَفْيَ الْمَهْرِ أَوْ تَرْكَا ذِكْرَهُ، فَلَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ بِغَيْرِ مَهْرٍ فِي الْحَالِ، وَلَا فِي الثَّانِي صَحَّ (وَتَفْوِيضُ الْمَهْرِ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى مَا شَاءَتْ أَوْ شَاءَ أَجْنَبِيٌّ وَنَحْوَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُزَوِّجْ نَفْسَهَا إِلَّا بِصَدَاقٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، فَسَقَطَ لِجَهَالَتِهِ (فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ) ؛ «لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ سُئِلَ عَنِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَهَا صَدَاقُ نَسَائِهَا، لَا وَكْسَ، وَلَا شَطَطَ، وَعَلَيْهَا الْعُدَّةُ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ، فَقَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِرَوْعَ بِنْتِ وَاشِقٍ - امْرَأَةٌ مِنَّا بِمِثْلِ مَا قَضَيْتَ بِهِ» ، فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ لَهُ؛ وَلِأَنَّهَا تَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ، فَكَانَ وَاجِبًا كَالْمُسَمَّى؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ بِالْعَقْدِ لَمَا اسْتَقَرَّ بِالْمَوْتِ، كَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَنَصَّفْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَقَلَ غَيْرَ الْمُسَمَّى لَهَا بِالطَّلَاقِ إِلَى الْمُتْعَةِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ فَرَضَ الرَّجُلُ مَهْرَ أَمَتِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا، أَوْ بَاعَهَا ثُمَّ فَرَضَ لَهَا كَانَ لِمُعْتِقِهَا أَوْ بَائِعِهَا وَإِنْ طُلِّقَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَالْمُتْعَةُ لَهَا (وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِفَرْضِهِ) قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنِ امْتَنَعَ أُجْبِرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَخْلُو مِنَ الْمَهْرِ فَوَجَبَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِبَيَانِ قَدْرِهِ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، إِذِ الْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ، بِالْعَقْدِ يُفْضِي إِلَى خُلُوِّهِ مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُ يَقَعُ صَحِيحًا، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ، وَيَصِحُّ إِبْرَاؤُهَا مِنْهُ قَبْلَ فَرْضِهِ، وَعَنْهُ: لَا، لِجَهَالَتِهِ، وَإِنْ وَقَفَ وُجُوبُهُ عَلَى الدُّخُولِ، فَكَالْعَفْوِ عَمَّا انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ (فَإِنِ) امْتَنَعَ مِنْ بَيَانِ قَدْرِهِ (فَرَضَهُ الْحَاكِمُ) ؛ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَرَضَهُ أَجْنَبِيٌّ لَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute